الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

غارثيا ماركيز باحثا عن مساقط جديدة

رلى راشد
غارثيا ماركيز باحثا عن مساقط جديدة
غارثيا ماركيز باحثا عن مساقط جديدة
A+ A-

يتقدّم عام 2015 صوب أفوله مُحترفاً التسلّل إلى الدائرة الضيّقة المُرتبطة بالكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، كأن ثمة رغبة في إخراجه من "ماكوندو" المُخترعة ليَحُطّ في وسط جغرافيا أخرى. كأن الكاتب الذي دأب يخترع الواقع ليرتقي به إلى مصاف السحر الخالص يعيد وفي أعقاب رحيله إنتاج صورته بَحثا عن مساقط جديدة، بعيدا من أراكاتاكا، المنزل الأول.


ها إن أسرة غارثيا ماركيز تبيع محفوظاته لـ "جامعة تكساس" في أوستن، وها إن "جامعة أيوا"، في مكان أميركي آخر، تقتني محفوظات الشاعر والباحث التشيلياني بيدرو لاسترا التي تتراءى، في جزء منها، موكلةً بملء القطع الناقصة في فيسفساء التجربة الذاتية التي حملت إسم "غابو".
إرث غارثيا ماركيز المُمَرّر إلى "جامعة تكساس" في أوستن كناية عن ثمانية وسبعين صندوقا تضمّ صورا فوتوغرافيّة ومخطوطات مصحّحة ووثائق عائلية. لا يهمّ السعر الباهظ الذي تقاضته العائلة وحدّد بمليونين ومئتي ألف أورو. تتراءى المسألة الماديّة مجرد تفصيل حين يتعلّق الموضوع بالسماح للراغبين بأن يتزحلقوا فكريّاً في وسط الذهن الذي ألِفناه وورطتنا في فتنة آداب أميركا اللاتينية.
ربما ليس إسم بيدرو لاسترا من بين الأكثر تداولا على المستوى الإعلامي حين يعنّ على بال الباحثين التمَهّل عند الآداب العالمية في القرن العشرين، لكن المُدقّق في الصناعة التأليفية لا بدّ قرأ إسمه مرّات عدة في جوار الأصوات الأساسيّة. من موقعه مستشارا أدبيّا لدى "المنشورات الجامعية" في تشيلي، تسنّى للاسترا مدّ جسور التواصل مع أبرز الكتّاب في الجزء الجنوبي من القارة الأميركية، ليتبدّى مُحفّزا إمتلك هبة الإصغاء لدواخل مجايليه. نجد أطياف هؤلاء في الرسائل التسعمئة التي تلقّاها والمتموضعة كرونولوجيا بين عامي 1954 و2002، فتجعلنا نعي تأفّف إرنستو ساباتو ونجاور ألفارو موتيس وماريو فارغاس يوسا وكارلوس فوينتيس وخوليو كورتاثار وآخرين وندرك تلاطمات غارثيا ماركيز.
في الثلاثين من أيار 1967 يكتب غارثيا ماركيز لبيدرو لاسترا "ستَصدُر "مائة عام من العزلة" في السادس من حزيران. والحال ان الخروج العَلني القريب للرواية يتسبّب لي بداء القرحة". تُدخلنا الرسالة إلى غمامة شكّ ساور رجلاً كان لا يزال في تلك الآونة المُبكرة، مشروع مؤلّف، فحسب. يقودُنا الكلام إلى نسق من المُبتكرين النادرين الشغوفين بمنجزهم إلى حدّ الإرتياب من جودته والإنصياع إلى السقم عند لحظة خروجه من جدران رؤوسهم. ها هنا غارثيا ماركيز، الكاتب الكولومبي الأكثر شهرة بين مواطنيه، يُشهرُ تردّده، قبل ستة أيام فحسب على ولادة كتابه الأولى، ذلك ان هذا النصّ سيعرف حيوات متلاحقة بعدذاك، وسيدفع به إلى حيث لم يتوَقَع.
ولأنه ينبغي لنا وعلى ما يتردّد، الشكّ من الشكّ نفسه، بَيّنت الأعوام للكاتب الناشىء فداحة غلطته. سيدرك انه تعلّم الشكّ ليتعلّم اليقين. والحال انه وفي السادس والعشرين من كانون الأول من العام عينه، راسل غارثيا ماركيز صديقه لاسترا مجددا كأنه شخص سواه مُستخدماً نبرة أفصحت عن راحة أكبر إزاء ما حقّقه. نقرأ "تَبيَّن أن "مائة عام من العزلة" هي خلاص: بفضل مبيعاتها المذهلة سأحظى بأعوام عدة من السلام الأُسري إلى حدّ أني سأكرّس وقتي للكتابة. أنغمسُ الآن بقصّة قصيرة ربما تتوسّع وتصير أكثر فكاهة، وربما تحمل العنوان المُدّعي التالي "حكاية إيرينديرا المذهلة والكئيبة وجَدّتها القاسية". تشكّل هذه القصة وسيلة لكي أريح المحرّكات قبل أن أغوص ولمدّة غير معروفة، في "خريف البطريرك". لا أدرك ما سأفعله، بعدذاك".
تلفّ التفاصيل الرسائل الموجّهة لبيدرو لاسترا، تفاصيل ماديّة وأسريّة وأدبيّة. ليست الرسائل إختزالاً لتجارب فحسب، إنها أيضا إختزال لإيقاع زمن يبدو أقل خبثاً على مستوى الصداقة وأكثر وعيا للموهبة وناسها.



[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم