الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

4 مسيحيين وشيخ مسلم... أشهر ترجمات الكتاب المقدس تحتاج الى تنقيح!

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
4  مسيحيين وشيخ مسلم... أشهر ترجمات الكتاب المقدس تحتاج الى تنقيح!
4 مسيحيين وشيخ مسلم... أشهر ترجمات الكتاب المقدس تحتاج الى تنقيح!
A+ A-

تستحق كل اهتمام، في يوبيلها الـ150. "احتفال" في بيروت سُمِّي "مؤتمر عالمي"(1) احتفاء بـ"تاريخيتها"، و"السيرة" انفتحت بكل صراحة. في تقليب صفحات الترجمة الإنجيلية العربية (البستاني- فانديك) للكتاب المقدس (1865-2015)، كلام جدي على "حاجتها الى تنقيح"."لا يمكن ان نبقي على ترجمة عمرها 150 عاماً كما هي، في وقت حصلت اكتشافات لمخطوطات وتقدم في علوم الكتاب المقدس"، يقول رئيس كلية اللاهوت للشرق الادنى الدكتور جورج صبرا لـ"النهار". في المصارحة، صحّ، "نحتفل اليوم بتاريخيتها"، ولكن في الوقت نفسه "نطمح الى التقدم بها الى الامام".
إنها "نجمة" الترجمات العربية في القرن التاسع عشر التي ربيت عليها أجيال وأجيال من المؤمنين المسيحيين. "لا تزال حيّة حتى اليوم. هذه هي خصوصيتها"، يقول صبرا، الى كونها "ترجمة امينة للنص الاصلي، ولغتها سهلة...". مزيّاتها العديدة جعلت كنائس مسيحية في الشرق تعتمدها طوال عقود. ووفقاً لمعطيات ميدانية، لا تزال أعداد كبيرة من المسيحيين في الشرق، من إنجيليين واقباط ارثوذكس وارثوذكس انطاكيين، تستعملها حتى اليوم.


7 أسباب "ملحة"
موفقة من دون شك. لكن نجاحها لا يلغي اقتناعاً بات لدى "غالبيتنا ممن يعلمون في الكنائس ويهتمون باللاهوت"، على قول صبرا، بضرورة "خضوعها للتنقيح، انطلاقاً من لزوم ان تواكب العلوم والعصر واللغة". والتنقيح، إذا تمّ، لن يطاول "اموراً كثيرة جيّدة فيها. وهو لا يعني ايضا تغيير امور كثيرة، وذلك حرصاً على عدم خربطة علاقة المؤمنين بهذه الترجمة". بالنسبة الى المعنيين، الامور التي تستوجب التنقيح باتت معروفة. "حدوده علمية، ولها علاقة بدرس نقد النصوص ومفاهيم لاهوتية متوافق عليها، وايضاً الامانة للنص".


الاحاطة بالموضوع اقتضت بخبراء واختصاصيين من رجال الكلمة واللاهوت والدين الوقوف عند اشكاليات في الترجمة، منها لاهوتية... والاسباب الداعية الى "المناداة بضرورة تنقيحها" "ملحة"، على قول الباحث في اللاهوت الدكتور غسان خلف. "الاسباب الموجبة سبعة: الأول استعمال مفردات عربية تناسب هذا القرن، الثاني إنصاف بيان اللغة العربية وبلاغتها، الثالث تصحيح الأغلاط اللغوية وأَغلاط المعاني والطباعة، الى أَغلاط البحث التاريخي، الرابع تصحيح العبارات اللاهوتية، الخامس إزالة الإبهام والغموض في مواضع كثيرة، السادس الإفادة من التقدم في علوم البلاغة اليونانية، والسابع اعتماد الترجمة على النص المقبول وضرورة اعتماد النص المحقق".
الرجال الخمسة
صنيعة رجال أكفياء من القرن التاسع عشر "يروتشها" رجال مقتدرون من القرن الحادي والعشرين. في سجلات التاريخ، خمسة تحديداً "ارتبطت اسماؤهم ارتباطاً وثيقاً بالترجمة": إليْ (عالي) سميث، بطرس البستاني، ناصيف اليازجي، كرنيليوس فانديك، والشيخ يوسف الأسير. "دور المحليين الوطنيين في هذه الترجمة" هو ما حاول صبرا تسليط الضوء عليه في المؤتمر العالمي(1). "وكان هذا الدور مهمًا"، و"ان لم يتم ابرازه في تلك الحقبة كما يجب"، على قوله.


في وثائق تاريخية ان "الإرسالية الاميركية السورية بدأت تفكّر بترجمة جديدة من العام 1837. لكن الخطوة الرسمية الاولى تمت العام 1844، وذلك في الاجتماع السنوي للإرسالية في 6 آذار. يومذاك طُلب من سميث أن يُعدّ تقريراً عن الحاجة إلى ترجمة جديدة... ومع ان القرار ببدء الترجمة اُتخذ العام 1847، الا ان سميث لم يبدأ الترجمة فعلياً الا في أواخر 1848"(2). وتكوّن فريق عمله من "رجلين محليين اساسيين": بطرس البستاني الضليع في العربية، "وقد علّم سميث العربية، وتعلّم الانكليزية منه ومن آخرين في الارسالية"، وناصيف اليازجي "الشاعر واللغوي والاديب صاحب المكانة المرموقة في النهضة الادبية العربية في القرن التاسع عشر"(2).
طوال 9 سنوات، عمل سميث على الترجمة مع فريقه، قبل ان يتوفى العام 1857. وحصيلة العمل، "انتهاء البستاني وسميث من ترجمة كل العهد الجديد...أما العهد القديم، فقد ترجم البستاني، اضافة الى التوراة (الاسفار الـ5 الاولى)، اسفار هوشع ويوئيل وعاموس وعوبديا ويونان وميخا وناحوم واشعيا، حتى نهاية الإصحاح 52... وأتمّ وحده ترجمة كل الاسفار التاريخية من يشوع الى استير، وايضاً ارميا والمراثي..."(2). "المجهود الذي قام به كان كبيرا. فقد انجز كل الترجمة تقريبا"، يقول صبرا. كذلك، كان لليازجي دور مهم في التصحيح.


المسلم "ضابط" لغة الكتاب المقدس
بعد وفاة سميث، قررت الارسالية في نيسان 1857 تكليف كرنيليوس فانديك الاميركي من اصل هولندي، متابعة الترجمة". و"كان صاحب عقل ثاقب ومعرفة واسعة باللغات... وقد تمكّن من العربية، الى درجة أنه اعتُبر أفضل مَنْ أتقنها بين أعضاء الإرسالية كلهم"(2). جاء فانديك، واختار فريق عمل مختلفا: الشيخ يوسف الأسير، رجل الدين المسلم من صيدا وخريج الأزهر، بدلا من اليازجي. "فضّلت مسلماً على مسيحي"، على قوله، "لأنه يأتي الى العمل من دون افكار مسبقة حول ما يجب أن يعنيه مقطع ما، ولأنه قارىء أوسع".


وبذلك، بات "أول ازهري ومسلم تعهد إليه جمعية مسيحية ضبط ترجمة النسخة العربية للكتاب المقدس وصياغتها"(2). بالنسبة الى صبرا، "الاستعانة به أمرٌ مذهل حقاً في تلك الأيام، وما زال مثيراً للإعجاب حتى في يومنا هذا. ولا أعتقد أن المؤرخين اعطوا الأمر الانتباه اللازم والاهميّة الواجبة"(2). خلال 8 اعوام (1857-1865)، اقتضت مهمته "العناية بالاسلوب الانشائي ومسائل القواعد واختيار المفردات، اضافة الى عملية التشكيل"، وفقاً لما يُستنتج من تقارير فانديك.


وفي الحصيلة، أعاد فانديك النظر في العهد الجديد كله، بمعاونة الشيخ الأسير، وأنهاه في آذار 1860. كذلك، أنجز ترجمة 12 سفرا من العهد القديم: أيوب، مزامير، أمثال، الجامعة، نشيد الانشاد، حزقيال، دانيال، حبقوق، زكريا، صفنيا، حجيّ وملاخي. في اجتماع خاص بالإرسالية عقد في 23 آب 1864، اعلن فانديك إنجاز الترجمة كلياً في اليوم السابق، اي في 22 آب. "لقد انتهى هذا العمل، بعون الله، بعد 16 عاماً من الزمن"، على قوله يومذاك. وأُنجِزت أول طبعة مُشكّلة لكامل الكتاب المقدس في 29 آذار 1865. "فاعتبر هذا التاريخ تاريخ انجاز الترجمة"(2).


محاولتان... واقتراح
خلال الاعوام الـ50 الأَخيرة، حصلت محاولتان لتنقيح ترجمة البستاني- فانديك من خلال جمعية الكتاب المقدس. ويفيد الدكتور خلف ان "الأُولى قام بها الدكتور جون طومسون والدكتور بطرس عبد الملك معًا في مصر في أَوائل الستينيات من القرن الماضي. فعملا على تنقيح العهد الجديد، وكانت محاولة جيدة، لكنها لم تصل ويا للأَسف إلى القراء إلاَّ من خلال كراريس مفردة لكتب العهد الجديد وأقسامه مع صور توضيحية. والثانية قام بها الدكتور عبد المسيح إستفانوس وغسان خلف، وأَنجزا العمل في تنقيح العهد الجديد نحو العام 2001. ولكن جمعية الكتاب المقدس الدولية أَوقفت المشروع عند هذا الحد، فلم يُنشر العمل سوى في كراريس للأَناجيل الثلاثة الأُولى".


انطلاقا من رغبة في ان تستمر تلك الترجمة في خدمتها لكنائس الشرق، يقترح خلف "إنشاء مجلس من العلماء يُعنى بتنقيحها في شكل دائم، على أن يضم خمسة أَعضاء، ومهمته جمع الاقتراحات من القراء والعلماء والملاحظات التي يرسلونها إلى جمعيات الكتاب المقدس، فيدرسها ويوافق على المفيد والصحيح منها. ثم تعمد جمعيات الكتاب الى إدخال هذه التصحيحات والتعديلات في النص كل عشرة أَعوام، وبهذها لطريقة يبقى الكتاب المقدس سليمًا معافى على مر العقود".
في التوقعات، انجاز التنقيح الاوّلي المرجو لن يتطلب وقتاً طويلاً، "نحو عام أو عامين، اذا قمنا بعمل رسمي"، يقول صبرا. واي جهة تشرف عليه؟ يجيب: "على جمعية الكتاب المقدس في المنطقة ان تتولى الامر. وسيكون التعاون مع خبراء محليين، ولن يكون بينهم اختصاصيون اجانب. لدينا ما يكفي من اختصاصيين محليين".
ويبقى الاهم في رأيه "ان تحظى الترجمة الجديدة بجهات كنسية تتبناها، بحيث تقتنع الكنائس المحلية بضرورة استخدامها". لكن العملية قد تكون محكومة "بالبطء"، على ما يخشى، وذلك "لان ليس كل المسؤولين في الكنائس والمؤمنين على القدر نفسه من الوعي للمشكلة او من الثقافة اللاهوتية، مما يعرقل الامر". ويقول: "المسألة تتعلق بكيفية تسويق الترجمة الجديدة في كنائسنا وبين المؤمنين الذين يبدون عادة ممانعة قوية لاي شيء جديد".


(1) دعت اليه الكنيسة الانجيلية الوطنية في بيروت، كلية اللاهوت للشرق الادنى، كلية اللاهوت المعمدانية العربية، جمعية الكتاب المقدس-لبنان، بالمشاركة مع برنامج انيس المقدسي للآداب في الجامعة الاميركية في بيروت (تشرين الثاني 2015).


(2) من محاضرة ألقاها رئيس كلية اللاهوت للشرق الادنى الدكتور جورج صبرا في المؤتمر العالمي، وعنوانها: "هكذا تُرجم الكتاب المقدس الى العربية".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم