الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

خاص "النهار" - تفاصيل عملية بيع بين "داعش" ولبنانيين

جويل تامر
خاص "النهار" - تفاصيل عملية بيع بين "داعش" ولبنانيين
خاص "النهار" - تفاصيل عملية بيع بين "داعش" ولبنانيين
A+ A-

مذ بدأت الحرب في سوريا عمل تنظيم "#داعش" وغيره من المجموعات المسلحة بنهب وحرق وتدمير اهم تراث في الشرق الاوسط وجزء من المشهد الثقافي التراثي في سوريا. ما زالت حتى اليوم جدران الكنائس والاديرة في معلولا وصيدنايا شاهدة على المجازر التي ارتكبها المسلحون الذين حطموا الآثار ودنسوا الرموز الدينية والايقونات المقدسة والتاريخية التي تعود الى آلاف السنين. وقد تم العثور على بعض هذه الآثارات والايقونات في سوريا وخارجها بينما بعضها الآخر ما يزال مختفياً. ولعل المفارقة ان بعض هذه المسروقات وصل الى منطقة عرسال اللبنانية ان من خلال مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" الموجودين في المنطقة او مع اللاجئين السوريين الى عرسال او عن طريق التهريب الذي لا يمكن ضبطه في منطقة لا تخضع لسلطة الدولة اللبنانية. ومن حسن الحظ وقع بعض هذه الآثار المهمة والمميزة في يد اناس من منطقة رأس بعلبك ساهموا في اعادتها الى عدد من الاديار والكنائس.


نحن لا نموّل "داعش" مباشرة


يروي مختار رأس بعلبك سهيل نعوم لـ"النهار" انه تلقى قطعة اثرية قديمة هدية من احد سكان #عرسال وهي عبارة عن باب وعندما شك انها قطعة ذات قيمة عالية عرضها على خبراء أكدوا له انه باب من دير معلولا عمره اكثر من 1700 سنة ومصنوع من خشب الارز اللبناني وهو من اهم الآثار التي سرقت من سوريا. ويقول: "في الـ2014، كان عدد من اهالي عرسال يعرض المسروقات علينا من صلبان واجران معمودية وتماثيل وايقونات وشمعدانات واناجيل في السوق السوداء، وقمنا بشرائها بتنسيق مع مديرية المخابرات. كنا مجبرين على توثيق جميع ما نشتريه". ويفسّر: "عند اكتمال المشتريات تم التنسيق مع وزارة الثقافة السورية، والسفارة السورية في لبنان وقيادة الجيش ومديرية المخابرات والبطاركة والجهات المعنية لنقلها بشكل قانوني الى سوريا".


يؤكد نعوم انه ليس على اتصال مباشر مع "داعش" او "جبهة النصرة" بل مع اهالي عرسال فمن خلالهم يتم شراء المسروقات ووفق المختار "داعش" لا يتاجر بالايقونات والتماثيل بل على العكس يقوم بحرقها وتكسيرها فالقسم الاكبر من القطع مكسرة ومشوهة لأنهم لا يعرفون قيمتها.
وعن فرضية تمويله لـ"داعش" بطريقة غير مباشرة من شراء المسروقات، يشدد نعوم على ان "همه الوحيد هو اعادة تلك المسروقات الى مكانها الاصلي ولا نعلم اذا كان العراسلة يعطون عائدات المبيعات لداعش وجبهة النصرة او غيرها من المنظمات لأنهم على صلة بها. فهم بالاضافة الى القطع الاثرية، يبيعون ادوات كهربائية، واثاث بيوت وسيارات كانت قد سرقت من سوريا".
ويشير نعوم الى ان الوضع "مختلف اذ يتم بيع بقايا المسروقات في عرسال وبوتيرة اخف خصوصاً بعد اغلاق طرق التهريب، كما يتم تزوير القطع ظنا منهم ان باستطاعتهم ان يخدعونا لكنهم دائما يفشلون لأننا نلجأ الى الخبراء للتأكد من القطع الاثرية قبل شرائها. ويتابع: "عرضوا عليّ قبل سنتين شراء انجيل بمليون دولار يشكل قطعة اثرية مصنوعة من جلد الغزال لكن فجأة اختفى اثره واثر الشخص الذي اراد بيعه. لكني سوف استلم هذا الاسبوع ايقونات وتماثيل".؟


بائعو القطع الاثرية في عرسال


وفي هذا الاطار اكدت مصادر لـ"النهار" على انه عند سقوط القلمون ويبرود قام الاهالي و#المسلحون بنهب القطع الاثرية من معلولا وصيدنايا ولجأوا الى عرسال وبدأوا ببيع الغنائم التي جمعوها، مشددة على ان غياب المراقبة على الحدود التي كانت مفتوحة سهلت دخول من يشاء الى لبنان بطريقة غير شرعية.


هدفنا من استعادة القطع الاثرية معنوي


وكان لكاهن رعية رأس بعلبك الاب ابراهيم نعمه دور اساسي في اعادة #القطع_الاثرية لأنه يعتقد بضرورة المحافظة على الاشياء التراثية التي تشهد على تاريخ المسيحيين المشرقيين، فبالنسبة له للمحافظة على وجودنا كمسيحيين يجب ان نحافظ على تراثنا المسيحي الكنسي الايماني (اماكن عبادة وايقونات...) والارض التي نعيش فيها والتي مات فيها ودفن اجدادنا.


ويشير نعوم لـ"النهار" الى ان القصة بدأت منذ بداية أزمة التهجير في سوريا وتدفق اللاجئين السوريين الى لبنان وانتشار طرق التهريب غير الشرعية بسبب عدم ضبط الحدود، فانتشرت المسروقات في عرسال وارتأى بعض المتمولين من رأس بعلبك، وبمبادرة فردية، ان يستعيدوا ممتلكات الكنيسة من بيتهم الاستاذ حسان بشراوي الذي صرف أكثر من 100 ألف دولار، ومطران زحلة عصام درويش الذي اشترى ايقونات بنحو 10 آلاف دولار تابعة لكنيسة قارة ومختار رأس بعلبك سهيل نعوم الذي استعاد باب دير معلولا الأثري وغيره من القطع. ويرى "أن المبدأ الأساسي يكمن في القيمة المعنوية والايمانية للقطع لذا تمسكنا بها وقمنا بشراء ما استطعنا لكننا للأسف  لم نحصل على كل ما نريده".


تم توثيق جميع الأغراض التي تم شراؤها وقدمت لائحة بها الى مديرية المخابرات وبالتعاون مع السفير السوري في لبنان، ووزارة الدفاع، ووزارة الثقافة، وقيادة الجيش أعيدت القطع الاثرية (اجراس كنائس وأجران معمودية وأيقونات وصلبان ومباخر وكتب مقدسة وتماثيل...) الى #سوريا في احتفال شعبي مهيب في معلولا ترأسه بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس لحام.
ويتابع نعوم: "أصررنا على شراء بعض القطع التي عرضت علينا كالصور والايقونات لأن قيمتها المعنوية كبيرة جداً ولن نقبل ببقائها بين ايادي اشخاص يمارسون عليها تصرفات مهينة. واليوم لم تعد هذه القطع متوافرة بكثرة كما في السابق".


12 ايقونة تابعة لدير مار تقلا ما تزال مفقودة حتى اليوم
اضافة الى الايقونات والتماثيل والأجران، اشترى السيد حسان بشراوي جرس كنيسة يحتوي على 22 بالمئة من الذهب ويعود لكنيسة مار سركيس وباخوس الأثري في معلولا وهو يزن 350 كيلوغراماً. وفي هذا السياق يؤكد بشراوي في اتصال مع "النهار" على الطابع الايماني لمبادرته، مشدداً على أنه لم يعد يتلقى أي عرض بعد تسليم القطع في سوريا. ويروي أنه اشترى تمثالاً ليسوع المسيح عمره 1500 سنة كان مكسراً بالاضافة الى الايقونات التي تأكد من أنها حقيقية بعد عرضها على لجنة مختصة. ويشدد على ان الأم فاديا لحام أكدت له أن 12 أيقونة تابعة لدير مار تقلا ما تزال مفقودة حتى اليوم.
ساهم تدخل بعض المؤمنين بشرائهم للقطع الأثرية التابعة لكنائس وأديار في سوريا الى تفادي كارثة تاريخية كبيرة قام برسم معالمها اشخاص همجيون لا يعرفون قيمتها ويهدفون الى محو تاريخ المسيحيين المشرقيين. وأثبتوا مرة أخرى ان الايمان والمحبة سيف مصلت في وجه الحقد والكراهية.


تدمير ممنهج للذاكرة الجماعية ولهوية الشعوب
وتشدّد جوان فرشخ عالمة آثار وصحافية متخصّصة بالآثار في فترات الحروب، على أن حرب الآثار التي تشهدها سوريا اليوم لم يشهدها أي بلد آخر في المنطقة حتى العراق، لأن مافيا تهريب الآثار التي تعمل في الشرق الأوسط باشرت عملها في سوريا مباشرة عند بدء الحرب، لأن الشبكة كانت جاهزة في العراق. وأكدت على أن التدمير الممنهج للمناطق الأثرية في سوريا ظاهرة لم يشهدها التاريخ من قبل بهذا الشكل الواسع. وشرحت: "تدّعي المجموعات المسلحة، داعش وغيرها، أن هدفها من تدمير الآثار عقائديّ لتبرّر أفعالها وتسوّق للسرقة بطريقة تناسبها. أما السبب الحقيقي فهو التدمير الممنهج للذاكرة الجماعية ولهوية الشعوب".


وتؤكد فرشخ "للنهار" أن هدف داعش وغيرها هو طرح نفسها كبديل عن كل شيء، كثقافة واحدة ومجتمع واحد، لا تاريخ قبله ولا مستقبل سوى الذي يبنيه، مشيرة الى أن لتدمير التاريخ والثقافة التي تمثلها الآثارات بعد اجتماعي ونفسي على المجتمع. وتضيف: "أي تثمين لقطعة أثرية، خصوصا اذا كان مصدرها صيدنايا، يساهم بالقضاء على قيمتها الثقافية. القيمة الثقافية لا تقدّر بثمن وعندما تطرح سوق الآثار القطع الأثرية على أساس أنها سلع تباع وتشترى تفقدها قيمتها الثقافية. يتعامل سوق الآثار مع القطع الأثرية على أساس بعدها الفني متجاهلا قيمتها الثقافية وبعدها الاجتماعي للشعوب والحضارات فتسعّر على أساس قيمتها الشرائية ما يقضي على قيمتها الثقافية".
كما أشارت الى أن الاتجار بالآثار غير مشروع، لذلك تعتبر سوقًا سوداء. فمن غير المسموح أن نضع سعرًا معيّنًا لأيّ قطعة أثرية لأنها تمثل هوية شعب.


وقد ساهم تدخل بعض محبّي الخير والؤمنين بشرائهم للقطع الأثرية التابعة لكنائس و#أديرة في سوريا الى تفادي كارثة تاريخية كبيرة، قام برسم معالمها أشخاص همجيون لا يعرفون قيمتها، ويهدفون الى محو تاريخ المسيحيين المشرقيين. وأثبتوا بذلك أن ثقافات الشعوب لم تعد ملكًا لها بل لمن يملك الأموال، وعند تطبيق هذا المنطق استطاعوا تحويل دول الشرق الى دول تصدّر الآثار.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم