الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أوروبا الضعيفة

هشام ملحم
هشام ملحم
A+ A-

الهجمات الارهابية التي تعرضت لها باريس والشلل الذي أصاب بروكسيل بصفتها عاصمة بلجيكا وعاصمة الاتحاد الأوروبي أظهرت مدى انكشاف المجتمعات الاوروبية على خطر الارهاب ومدى انحسار القوة العسكرية للدول الأوروبية التي شهدت 70 سنة من السلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الامر الذي أوجد انطباعاً خاطئاً عن نهاية الحروب والاخطار الخارجية، وقلل قيمة مركزية السيادة القومية، لتتماشى مع عالم جديد انحسرت فيه اهمية الحدود بين الدول. هذا العالم الاوروبي الذي يجسده الاتحاد الاوروبي، هو الذي زعزعته عودة التاريخ المتمثلة بغزو روسيا وضمها لشبه جزيرة القرم، ونهر اللاجئين الذي اكتسح أوروبا وكاد ان يقوض معظم مسلمات الاتحاد الاوروبي المتعلقة بالحدود المفتوحة واستيعاب اللاجئين والمهاجرين، وأخيراً العنف المطلق الذي يمارسه "داعش" الذي يريد ان يتسبب بحرب نهاية العالم.


الدول الأوروبية التي عاشت أكثر من نصف قرن تحت مظلة الحماية العسكرية الاميركية، باتت، باستثناء فرنسا، تنبذ استخدام القوة العسكرية حتى في حالة الدفاع عن النفس، وحتى عندما تشارك في عمليات عسكرية مشتركة مع أميركا (أفغانستان وليبيا) فانها تفعل ذلك بشكل محدود. المانيا ترفض الاضطلاع بأي دور عسكري قتالي، وليس لدى بريطانيا في الخدمة أي حاملة طائرات للمرة الاولى منذ نحو قرن، ولدى فرنسا حاملة طائرات واحدة. خلال الحرب الجوية في ليبيا، نفدت ذخائر بريطانيا خلال اسابيع قليلة. وحتى بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، واصلت دول مثل المانيا وبريطانيا خفض موازناتها العسكرية. وحدها فرنسا لا تزال تقوم بعمليات عسكرية خارج المسرح الأوروبي في الشرق الأوسط أو أفريقيا، ولكن دائماً بدعم لوجيستي اميركي كما حصل خلال الغارات الفرنسية على مواقع "داعش" في سوريا عقب هجمات باريس.
الانكفاء الأوروبي والاستثمار في نمط حياة استهلاكي واعتماد الاوروبيين المتزايد على الخدمات والضمانات التي تقدمها دولهم أعطاهم شعوراً خاطئاً بالأمن، الأمر الذي ساهم بدوره في تخفيف المشاعر الوطنية. واستناداً الى استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في 2014، قال 29 في المئة من الفرنسيين، و27 في المئة من البريطانيين و18 في المئة من الألمان إنهم مستعدون للقتال من اجل اوطانهم. وتميزت ايطاليا بان 86 في المئة من مواطنيها أكدوا أنهم لن يحاربوا من أجل ايطاليا.
العالم يعيش الآن في حقبة الارهاب المعولم. التقنيات الالكترونية الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي وتقاطعها مع الارهاب الذي يرتدي عباءة دينية تعطي عدداً قليلاً من الارهابيين القدرة على أن يشلّوا عاصمة مهمة مثل باريس. قادة أميركا وفرنسا وبريطانيا يهددون بتدمير "داعش" ولكن لن يغير أي منهم استراتيجيته المحدودة، خصوصاً أن أوباما القادر على ذلك يفتقر الى الارادة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم