الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

إيجابيّات انضمام الصين للحرب على الإرهاب ... صِفر؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إيجابيّات انضمام الصين للحرب على الإرهاب ... صِفر؟
إيجابيّات انضمام الصين للحرب على الإرهاب ... صِفر؟
A+ A-

في 25 أيّار الماضي، أعلنت الصين تفكيك حوالي 180 مجموعة وصفتها بالارهابيّة في إقليم #شينجيانغ الذي يشهد حوادث أمنيّة متكرّرة. فالاقليم تتجاور فيه أقلّيّتان إتنيّتان: الهان وهي الإثنيّة الكبرى التي ينحدر منها الصينيّون، والأويغور وهي أقلّيّة مسلمة ناطقة باللغة التركيّة. وهناك اختلاف بين مؤرّخي تلك الأقلّية والمؤرّخين الصينيّين حول أصول الأويغور وحول أسبقيّة وجود تلك الأقليّة، بالنسبة للسكّان الأصليّين. فسلالة الهان تعود الى القرن الثالث قبل الميلاد، فيما يعيد بعض الأويغور تاريخهم الى 9000 سنة خلت.


ولا تعكس الخلافات بين الطرفين إختلافاً أكاديميّاً تاريخيّاً بينهما بل صراع مصالح كبيرة، انتهى في كثير من الأحيان باصطدامات عسكريّة دمويّة. وأطلقت السلطات الصينيّة تسمية شينجيانغ أو الأرض الجديدة على إقليم تركستان الشرقيّة الواقع في أقصى شمال غرب الصين. وبالاضافة الى الأويغور والهان هناك أقليّة صغيرة من القازاق في أقصى شمال الإقليم.


وينادي " الحزب الإسلامي التركستاني" الذي تأسّس أواخر تسعينات القرن الماضي بالانفصال عن الصين. ومنذ مطلع عام 2013 شكّل «الحزب» فرعًا له باسم «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام". وانضمّ كثير من أفراده الى "#داعش" و"#جبهة_النصرة" و"#حركة_أحرار_الشام". وكانت الأمم المتّحدة أدرجته على قائمة الارهاب بعد اعتداءات 11 أيلول، في حين تنظر الصين إليه على أنّه حزب إنفصاليّ إرهابيّ.


منذ أسبوع، وتحديداً في الثامن عشر من هذا الشهر، أعلن تنظيم "الدولة الاسلاميّة" قتل أحد الصينيّين الذي كان احتجزه لديه كرهينة منذ أيلول الماضي. وقبل ثلاثة أيّام على تلك الحادثة، وفي قمّة مجموعة دول العشرين التي عُقدت في تركيا، أعلن وزير الخارجيّة الصينيّ وانغ يي أنّ دولته "أيضاً ضحيّة للإرهاب" وأنّ "الحرب ضد حركة شرق تركستان الاسلاميّة يجب أن تصبح جزءاً من الحرب الدوليّة على الإرهاب". وكان الناطق باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة هونغ لي أكّد وجوب محاربة "الأعراض والأسباب الأساسيّة للإرهاب".


ومن "الأسباب الأساسيّة للإرهاب" تظهر مشكلة الغرب مع الصينيّين. فالغرب يشدّد في أحاديث زعمائه على أنّ الديكتاتوريّات وأعمال القمع تشكّل تربة خصبة لنموّ الإرهاب. وبحسب جمعيّات تعنى بحقوق الانسان، تعدّ الصين من الدول التي تنتهك تلك الحقوق في أكثر من مناسبة.


مجلّة "ذا ديبلومات" أشارت الى أنّ الحكومة المركزيّة في الصين أغلقت منذ سنوات شبكات الانترنت في مناطق الأويغور ولمدّة عشرة أشهر. وبعد إعادة تلك الخدمة، تبيّن أنّ مواقع إلكترونيّة مهمّة تمّ محوها عن الشبكة. ونقلت المجلّة خبر إنشاء طالب يدعى ديلشات بيرهات لموقع إلكتروني يقدّم خدمات عدّة للمنطقة من بينها الكتابة عبر الشبكة العنكبوتيّة باللغة الأم، ومواقع فكريّة وثقافيّة وغنائيّة بالاضافة الى فيديوهات ومواقع للتعارف وغيرها. وذكرت أنّ مؤسّسي خدمات مشابهة أدخلوا الى السجون. فبعد أكثر من عشر سنوات على إبصار تلك الخدمات للنور، أغلقت الصين معظمها ثمّ عمدت الى محوها كلّيّاً عن الشبكة. في حين ردّ مسؤولون رسميّون سبب إغلاق الشبكة الى منع تأثّر المواطنين بمواقع تبثّ نشاطات للحركات المتطرّفة.


ونقلت وكالة "رويترز" الأميركيّة عن أحد الديبلوماسيّين الغربيّين في بيجينغ تأكّده من أنّ الصين ستعمل لاستثمار #اعتداءات_باريس من أجل طلب الدعم الدولي في مواجهة ما يجري في إقليم شينجيانغ. وأضافت الوكالة أنّ الباحث الصينيّ في مجال الإرهاب لي واي شدّد على وجود حاجة "ماسّة" لزيادة التعاون الصينيّ مع الحكومات الغربيّة لمكافحة الارهاب.


أمّا مجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة فتوجّهت الى مجموعة من الباحثين بالسؤال التالي:"هل الصين شريك موثوق به في مكافحة الإرهاب؟". الباحث أندرو سمول، من مؤسّسة الرأي الأميركيّة "جيرمان مارشال فاند" يشير الى أنّ هناك مجموعة أسباب تبرّر التشكيك في صدقية الصين كشريك في محاربة الارهاب، من بينها "رفضها رسم خطوط واضحة بين الارهابي والناشط السياسيّ والمواطن المضطهَد". ويقول أنّ الصين تنوي استخدام منصبها في مجلس الأمن لحماية أعضاء منظّمات إرهابيّة محدّدة مثل "#عسكر_طيبة"، "حين تملك أسباباً سياسيّة لفعل ذلك". وعلى رغم هذه الامور "فإنّه لا شكّ في كون الصين ضحيّة لاعتداءات إرهابيّة في الداخل أو الخارج".


وي زهو، الباحث الصيني في مجلس العلوم الاجتماعيّة للأبحاث، يرى للمجلّة نفسها أنّ بعضاً من الأويغور على صلة ب"القاعدة" أو بتنظيم "الدولة الاسلاميّة". لكنّ الدول الغربيّة تشكّك في مسألة تعاطي السلطات الصينيّة بحيث تتّهمها "بالمبالغة" في تلك المخاطر وخصوصاً تصرّفاتها داخل الاقليم.


إريك هاندمان، من جامعة شيكاغو، يجيب بأنّ مصداقيّة #الصين لن تؤثّر فقط على فاعليّة الجهود المنبثقة عن التعاون مع #الولايات_المتّحدة، بل ستؤثّر أيضاً على مجالات التعاون في أماكن أخرى. وفي حال كانت واشنطن توافق بيجينغ على ضرورة مكافحة الارهاب، إلّا أنّها ترتاب من نواياها النهائيّة. ويوافق هاندمان زميله مارشال في مسألة رفض الصين التمييز بين "الارهاب وأشكال أخرى من المقاومة"، معتقداً أنّ تعاوناً كهذا "قد يدعم الصين في متابعة تحقيق أهداف غير مرغوب بها في مناطق مختلفة".


وبالفعل، هناك قضايا خلافيّة كثيرة بين الصين والولايات المتّحدة أبرزها ما تقوم به الأولى في #بحر_الصين_الجنوبي، إضافة الى مسائل أخرى من بينها النظرة الى الصراع في سوريا والحرب الالكترونيّة وبعض قضايا حقوق الانسان وغيرها. ومع أنّ الصين تقوم بدور إيجابيّ في المصالحة داخل أفغانستان حيث تتعاون مع الاميركيّين في بعض الأمور الأمنيّة والسياسيّة، إلّا أنّ الخلافات الكبيرة ستمنع الطرفين من إقامة جسر تواصل فعّال في مكافحة الارهاب على الصعيد الدولي، أقلّه قبل تبنّي بيجينغ لتعريف واضح به.


من المؤكّد أنّ الصين قوّة سياسيّة وعسكريّة صاعدة، إلّا أنّ انخراطها في معارك بعيدة عن حدودها قد لا يأتي بالثمار المرجوّة طالما استمرّت خلافاتها المتعدّدة مع الولايات المتّحدة. ولا شكّ في أنّ لبيجينغ "إشعاعاً اقتصاديّاً" بعيد المدى يصل الى أقاصي الأرض، لكنّ "إشعاعها العسكري" لم تثبت فاعليّته بعد في أماكن بعيدة عن حدودها.


وحتى موعد حسم السلطات الصينيّة قرارها الدخول في حرب دوليّة ضدّ الإرهاب من عدمه، أو على الأقل في تفعيل محاربتها للإرهاب على المسرح العالمي، تبقى صدقيتها في مكافحة المتطرّفين وقدرتها على تحجيم الارهابيّين مسألتين فيهما شكّ كبير بالنسبة للأميركيّين وباحثيهم وديبلوماسيّيهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم