الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

يدُ الله في أحداث فرنسا!

المصدر: "النهار"
رامي فاضل- إكليريكي
يدُ الله في أحداث فرنسا!
يدُ الله في أحداث فرنسا!
A+ A-

بعد وقوع الحوادث الأخيرة في فرنسا، شهدنا موجةً كبيرةً من الآراءِ الّتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام المرئي والمسموع، تَعتَبِر أنَّ المجزرة التي حَصَلَت هي بمثابة العقاب الإلهيّ لبلدٍ تَعَلمَنَ وكَفَرَ ونَبَذَ الله.


 


وسمعنا البعض يوَجّه الدعوات للشعب الفرنسيّ لكي يعود إلى الله وكنف كنائسه، لكي يعود الأمان والسلام إلى ربوع بلاد الغال. ومنهم من اعتبر أنَّ ما حصل هو نتيجة طبيعيّة، فغضب الله ورضاه بالنسبة لهذا البعض، مرتبط بكميّة التَدَيُّن التي ترفعها الشعوب إلى الجلالة الإلهيّة. كما جَنَحَ البعض إلى استعراض خطايا المجتمع الفرنسيّ ليطمئنّ في نهاية الأمر إلى أنَّ إلهه عادل ويرى كلّ شيء، وهو سريع الإنتقام وشديد العقاب.


 


لن أدخل في التحاليل السياسيّة والأمنيّة فلا شأن لي بها، غير أنّ ما يدعو للدهشة هي صورة الإله الّذي يتبنّاها البعض ويروِّجُ لها. ولا بدّ لنا أمام هذه الصورة المستغربة للإله من طرح عدّة أسئلة:


إذا كانت الحوادث المؤلمة في فرنسا هي عقاب على الإلحاد، فما هي جريمة هذا الشرق لكي تتدفّق شلالات الدماء في ديارنا بشكلٍ يوميّ، عِلمًا بأننا من أكثر الشعوبِ تديُّنًا وتعصُّبًا وغيرةً على الدين والديّان؟ وإذا كانت الكنائس الفارغة في فرنسا هي السبب المباشر وراء الأحداث الدامية، فلماذا لم تشفع بنا كنائسنا وجوامعنا المكتظّة بالمؤمنين والمتديّنين؟
قد نفهم ونقبل أنّ الله لم يدافع عن شعبه الشرقيّ لخطيئةٍ ما، ولكن لماذا لم يبادر هذا الإله لحماية بيوته -هذا إذا كان يحُدُّهُ بيتٌ- من كنائسٍ ومساجد لم توفِّرها يدُ التفجير والتدمير؟


 


والغريب هو أننا نوكل لله الدفاع عنا ونسأله حمايتنا، في حين أنّ البعض لا يتوانى عن شنِّ الحروب المقدّسة للدفاع عن الله ولتوسيع حدود خلافته ودولته. هل الله هو من يدافع عن الإنسان أم الإنسان هو من يدافع عن الله؟ وأمام مسرح الدمّ المنبسط على امتداد الشرق والآخذ بالتمدّد حتى فرنسا، يَحُقُّ لنا أن نسأل أين هو الله؟ وما هو دوره في كلِّ ما يجري؟ وهل يتحمّل مسؤوليّة كلّ ما يُرتَكَب باسمه؟


 


أمام كلّ هذه التساؤلات أتذكرّ الحادثة التي حصلت في مُعتَقَل أوتشفيتز زمن الحرب العالميّة الثانية، حيث شَنَقَ الجنود النازيوّن رَجلين وطفلًا صغيرًا، مات الرجلان على الفور أمّا الطفل فبقيَ ينازع لفترة لا بأس بها، وكان في الحضور رجلًا يسأل رفيقه بعصبيّة :"أين الله من هذا العذاب؟ أين الله؟" واستمرَّ بالصراخ إلى أن أشار رفيقه بيده نحو الطفل المعلّق على المشنقة وقال له: "إنَّه هنا، يتأرجح على حبل المشنقة!".



إنه هنا! في كلِّ طفلٍ يموت برصاص الغدر وسكاكين الحقد! في كلِّ ضعيفٍ لا حول له ولا قوّة أمام جحافل الإرهاب وطائرات الترهيب! إنَّه هنا وهو بحاجة لأن ندافع عنه. هنا لا أتكلّم عن الدفاع عن الله بذهنيّة الغيارى على حقوقه بل بروحيّة الغيارى على حياة الإنسان وكلّ إنسان من بغداد إلى باريس إلى أقاصي الأرض.


لا شكّ أنّ موجة الشماتة إن دلّت على شيء فهي تدلُّ على ثغرات واسعة في ثقافتنا الإنسانيّة ومقاربتنا لصورة الإله، وأنَّ الشعب الذي يحتفظ لنفسه بصورةٍ همجيّة عن الله لا يفاجئنا إذا رأيناه يتبنّى ثقافة الإرهاب ولم يجسِّدها بالأفعال. فكما الأب كذلك الابن، وإن كنا نكبر على صورةٍ قاسية لإلهنا، فمن الطبيعي أن نتماثل مع هذه الصورة بالقساوة.



ختامًا لا بدَّ لنا من حرب تحريرٍ نحاولُ فيها أن نحرَّر الله من صورة الإله الإرهابيّ، فنتحرّر من الإرهاب النفسي الذي يكبر في نفوسنا ونفوس أطفالنا، وقد يقودهم إلى أن يصبحوا مطيةً لمشاريع الموت والدم. والطريق إلى هذا التحرير تمرُّ في المنزل والمدرسة والجامعة والإعلام، الطريق إلى هذا التحرير تمُرُّ بالدفاع عن الله في الإنسان الحيّ! فيا ربّ هبنا قوَّةً من لدنِكَ لندافع عنك في الإنسان، وندافع عن الإنسان لأنّه مجدك الحيّ!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم