المونة اللبنانية : اكتشفها من جديد

من على ارتفاع 1250 متراً عن سطح البحر، وعلى مسافةٍ تبعد نحو ٥٥ كلم (ساعة ونصف الساعة) عن العاصمة بيروت، تقع بلدة قرطبا.
تجلس قرطبا بين تلال الجبال في الهواء العليل، تقص اقاصيص عن التاريخ والتراث والعمارة. وبين أشجار التوت وكروم العنب والزيتون حكايةٌ لا تنتهي عن تاريخ هذه البلدة المحاذية جغرافياً لمدينة جبيل الأثرية.

وما التاريخ والتراث من غير نفحةٍ عن الضيافة، تلك الضيافة التي تميز بها لبنان وبلداته وقراه من شماله إلى جنوبه ومن ساحله إلى جبله.
رحلة foodcrit اليوم خرجت من بيروت كما وخرجت عن عاداتها بزيارة المطاعم في لبنان، لتقتصر على استكشاف إحدى البلدات اللبنانية والتعرف على تراثها وأحد مكونات مطبخها الأساسية. ومع اقتراب فصل الشتاء، ارتأينا أن نذهب إلى بلدة قرطبا لنطلع على مونتها التي تشتهر بها.
وقديماً كان أجدادنا يحضرون المونة قبل حلول الشتاء لتخزين الأطعمة وحفظها في ظروف الطقس القاسية التي تمر عليهم حيث لم تكن الأساليب الحديثة موجودة. كما كانت تستخدم المنى لحفظ أنواع الفاكهة والخضار في مواسم معينة نظراً لعدم وجود حافظات الطعام الموجودة في أيامنا هذه في ظل التطور وعصر السرعة.

ومع التطور الذي نشهده اليوم من جميع النواحي أكان اقتصادياً أم اجتماعياً أو تكنولوجياً، فإن المونة هي حاجة أساسية لدى ربات المنازل ويمكن القول ان المونة "شغل البيت" عادت الى المكانة التي كانت فقدتها في الأعوام السابقة، فضلاً عن القيمة الغذائية التي توجد في أصناف المونة المعدة في المنازل من دون اضافة أي مواد حافظة اليها، وهي تشكل الــيــوم الــبــديــل الــمــفــتــرض من المعلبات وما تحمله من أضرار صحية.
زرنا في قرطبا بعض السيدات وربات المنازل اللواتي يحضرن المونة القرطباوية ويشتهرن بها. كل سيدة فتحت لنا منزلها ومطبخها لتعرفنا إلى عالم المونة واسراره في قرطبا، تلك الأسرار التي ورثتها كل سيدة من والدتها وجدّتها .
من جميع اصناف المربيات الحلوة والمالحة، إلى الزعتر والزيتون والخضار المخللة وشراب البندورة والبقوليات من العدس والبرغل والفاصولياء، إلى أنواع الشراب كشراب الورد والتوت وماء الزهر، من غير أن ننسى الكشك والقورما ودبس الرمان. ما نشتهيه من وصفات ومأكولات يمكن أن نحفظها مدة من الزمن من دون أن تفقد نكهتها الأصلية.

وفي منزل السيدة ياسمين أو كما يسمونها "الست ياسمين "، هذا المنزل الذي يمثل عمارة المنزل البناني التراثي، فتحت لنا "النملية " (خزانة تحفظ فيها المونة) و قامت بتعريفنا على الأنواع المختلفة التي تحضرها، منها مربى التفاح مع حبوب السمسم ومربى المشمش والزعتر والقورما والكشك. وقد قامت الست ياسمين بتحضير "مكدوس اللوبية" معنا، وصفة جديدة نحن الجيل الجديد لكنها سهلة جداً والأهم أنها لذيذة جداً.(الوصفة في آخر المقال)
في منزل الست ياسمين تجتمع العائلة لتحضير المونة للشتاء، فتساعدها ابنتها وحفيداتها، فيتناقلن الوصفات في جمعة عائلية جميلة.
أما في آخر الحي، منزلٌ صغير محاطٌ بالاشجار والورود، تستقبلنا السيدة عطالله بوجهها البشوش. هذه السيدة معروفة بشراب التوت الذي تحضره، فالتوت هو من أهم المزروعات في قرطبا حيث اشتهرت قديماً به وبصناعة الحرير الذي ينتجه دود القز ويصدر إلى مدينة ليون الفرنسية. كوب من شراب التوت هو كل ما تريده بعد نهارٍ طويل في قرطبا، شراب لذيذ ومنعش ومليء بالنكهات الطبيعية، فتشعر بأنك تأكل حبات توت قطفت الآن عن الشجرة.

المونة اللبنانية، هي إحدى مميزات المطبخ اللبناني التراثي، وقرطبا هي بلدة تقع في قضاء جبيل تتميز بأنواع المونة التي توارثها الأجيال فتجعل من الطعام وتحضيره ليس فقط لذة بل حافز على تقوية الروابط العائلية التي أصبحت تتلاشى في أيامنا هذه .
ولا يمكننا إلا أن نقول:"خبي مونة قرطبا للشتوية".

ما ينصح به foodcrit من مونة قرطباوية: شراب التوت، دبس الرمان، قورما، زيتون، مربى التفاح، مربى السفرجل، خل التفاح، الكشك، مكدوس اللوبياء، شراب البندورة.
في قرطبا: تذوقوا خبز المرقوق من محال الصاج في البلدة، ولا تنسوا أن تتذوقوا خبز التنور الذي تشتهر به.

وصفات مكدوس اللوبية :
المكونات: لوبية خضراء- فصوص الثوم - الجوز - الحر الأحمر- ملح خشن - زيت الزيتون
طريقة التحضير: - نسلق اللوبيا قليلاً ثم نضعها على القماش لمدة يوم أو يومين لتمتص الماء
- نفرم الثوم مع الملح الخشن ثم الجوز والحر
- نضع كل المكونات معاً ونمزجها
- نضع المزيج في مرطبان ثم نغمره بزيت الزيتون

thefoodcrit@