الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل تثبت نظرية مجايلة اشجار زيتون في ديرميماس السيد المسيح؟

المصدر: " النهار"
مرجعيون – رونيت ضاهر
هل تثبت نظرية مجايلة اشجار زيتون في ديرميماس السيد المسيح؟
هل تثبت نظرية مجايلة اشجار زيتون في ديرميماس السيد المسيح؟
A+ A-

لا شكّ ان اقدم شجر زيتون في المنطقة تحتضنه بلدة ديرميماس التي تتربّع على تلّة كالعروس وتتدلّى طرحتها الخضراء زيتونا معظمه عتيق ومعمّر، واغلب الظن لدى اهل البلدة ان بعضا منه فاق عمره الألف عام وربّما اكثر وصولا الى الفين... حتى الساعة هي تقديرات وتخمينات نسبة الى حجم هذه الاشجار التي يبلغ محيط بعض منها تسعة امتار، الا ان ذلك قد يُثبت علميا في وقت قريب بفضل اختصاصي في تحديد عمر الاشجار اسباني الجنسية، تواصلت معه جمعية "أغصان" الديرمامسية عبر الكتيبة الاسبانية العاملة في اليونيفيل والسفارة الاسبانية لاجراء دراسة على اقدم هذه الاشجار وتوثيقها على الخارطة البيئية والسياحية في لبنان.
خطوة متقدّمة أطلقتها الجمعية التي تُعنى بالقضايا الاجتماعية والبيئية في المنطقة(تسميتها "أغصان" نسبة الى أغصان الزيتون) ايمانا منها بأهمية شجرة الزيتون ليس فقط لانتاجها انما أيضا لرمزيتها وارتباطها الوثيق بالارض والانسان، فكان التواصل مع قائد القطاع الشرقي في اليونيفيل الجنرال خوسيه كوندي الملمّ بقضايا الزيتون فأطلق بحثا عبر وحدة التعاون المدني والعسكري في الكتيبة تولّته النقيب ايلينا للبحث عن اختصاصيين في هذا المجال في كلّ من اسبانيا وايطاليا والبرتغال، ورست الأبحاث على البروفسور انطونيو برييتو الأستاذ في المدرسة الفنية العليا لخبراء الغابات والأحراج التابعة لجامعة البوليتكنيك في مدريد الذي حقّق انجازات عديدة في مجال تحديد اعمار اشجار الزيتون في اسبانيا وفق تقنية فريدة برعاية "بنك سانتاندير" ودعمه، معلنا أن أقدم شجرة زيتون في اسبانيا موجودة في بلدة اولديثونيا جنوبي منطقة كاتالونيا ويبلغ عمرها 1701 عاما، وقد زُرعت عام 314م، على عهد الامبراطور قسطنطين.



تحوّل الحلم الى حقيقة، ووصل الى لبنان برييتو ومساعدته استير غارسيا والوجهة ديرميماس... خمس شجرات زيتون معمّرة وشجرة سنديان مصدرها منطقة الخلّة شرقي البلدة بانتظار الفريق الاسباني علّها بعد مئات او آلاف السنين تتعرّف الى عمرها الحقيقي. عدّة العمل التي أحضرها معه برييتو ليست معقّدة، فكل ما يحتاجه هو مازورة لقياس محيط الشجرة بكلّ تفاصيلها وتعرّجاتها عبر تحديد نقاط، وجهاز صغير لتحديد المسافات. يتمّ تدوين هذه التفاصيل، وبعد العودة الى اسبانيا تتم ترجمة هذه المعلومات بشكل ثلاثي الابعاد تمهيدا لتحليلها وفقا لتقنية معيّنة تبقى هي سرّ العمل. تستغرق الدراسة الميدانية لكلّ شجرة نحو يوم وتحليلها نحو شهر تُمنح نتيجتها شهادة موثّقة.
تكمن أهمية هذه الدراسة بعدم ايذاء الشجرة عبر اخذ عيّنات منها، وهي الى حدّ كبير دقيقة جدا وفعّالة خصوصا في الاشجار التي تجوّفها السنون والعوامل الطبيعية فتصعب حينها الطرق التقليدية المتعارف عليها.
رئيس الجمعية الدكتور كامل مرقص صاحب الفكرة، ذكر ان نتائج هذه الدراسة ستكون مهمّة جدا لكلّ البلدة والمنطقة، اذ أن تأريخ هذه الأشجار سيكون مهمّا للخارطة البيئية والسياحية ليس فقط في البلدة وانما في كلّ لبنان شاكرا للجنرال كوندي حماسته لهذا المشروع.
ولمنى مرقص امينة السر تفسير يحاكي روحانية شجرة الزيتون، فهي ليست فقط الشجرة المقدّسة ورفيقة الانسان منذ القدم، انما "هي روح قديمة قرّرت التوقّف عن السير فثبتت في الارض حيث هي بجذور عميقة"، مشيرة الى ان برييتو شرح لهم كيف ان اشجار الزيتون تتّصل ببعضها البعض عبر جذورها، وما ان تتعرّض للقطع تفرز مادة كيميائة لانذار شقيقاتها. ولفتت مرقص الى ان المنطقة بحاجة لمتابعة استشارية في شؤون الزراعة، خصوصا وان المواطن هو المسؤول الأول والأخير عن ارضه، فلا التعاونيات الزراعية ولا الجهات المعنية الرسمية مسؤولة عن اسداء النصح وتفادي الامراض ومعالجتها في حال حصولها ما يؤثر على البيئة الزراعية ويوقع المزارعين بخسائر فادحة، خصوصا بعد الحروبات المتكرّرة التي شهدتها المنطقة والتغيّرات المناخية العامة، وقالت: "جمعية أغصان اطلقت هذا الفكرة من ديرميماس على أمل ان تتعمّم الى باقي المناطق، ونأمل من اليونيفيل وتحديدا الكتيبة الاسبانية ايلاء الشأن الزراعي والبيئي أهمية قد تكون عبر انشاء لجنة مشتركة لبنانية اسبانية نظرا للخبرات الزراعية المتطوّرة في اسبانيا، مهمّـتها مساعدة المزراعين وارشادهم والتواصل مع مختبرات اسبانية المتخصّصة، هذا الامر ضروري جدا للمنطقة ويدخل ضمن اطار المساعدات والمشاريع التي تنفّذها الكتيبة في المنطقة".
كوندي الذي يتحدّر من عائلة تنتج زيتا وزيتونا في اسبانيا متحمّس جدا لهذا المشروع وينتظر نتائجه، فهو يعلم مدى تعلّق اللبنانيين بشجرة الزيتون كما هو الحال في اسبانيا التي استضافت منذ ثلاثة آلاف أعوام الزيتون الى الأبد بعد ان أتاها زائرا مع الفينيقيين...



باهتمام وتركيز يعمل برييتو وغارسيا في تحديد مقاسات الشجرة وتفاصيلها بعد وضع قاعدة خشبية بشكل مربّع او مستطيل في محيطها تسهّل عملية استخدام جهاز القياس يرافقهما عدد من عناصر وحدة التعاون المدني والعسكري دعما لوجستيا. يعملان بمنهجية ودقّة بالقياسات وبيانات الأرصاد الجوية وخصائص التربة بهدف تكوين فكرة شاملة عن الشجرة ودراستها.
لبرييتو انجازات كثيرة في هذا المجال، فقد زار عدّة دول وأجرى دراسات عديدة، الا أن آخر ما توقّعه تلقّي طلب زيارة لبنان للغاية عينها من قبل اليونيفيل، وقال للنهار: "نحن نجهل طبيعة الحياة النباتية vegetacionفي لبنان. بالنسبة لنا، لبنان هو الارز والسرو، ولكن انا سعيد أنني اتعرّف على زراعة الزتيون في هذا البلد الشبيه الى حد ما باسبانيا". وذكر ان أكثر الصعوبات التي تواجه عملية تحديد عمر الشجرة هي التجويفات الداخلية التي تنشأ من التعفّن بسبب تقليم الشجرة والعوامل الطبيعية وبالتالي لا يمكن معاينة هذا الجزء المهمّ من الشجرة ولا تحليله بواسطة الكاربون 14، حتى ان الاعتماد على حلقات النمو ليس كافيا ايضا، لذا فهذه الطريقة التي يتم استخدامها تساعد في عملية تحديد نمو الشجرة وبالتالي عمرها بشكل دقيق وسليم دون أذية الشجرة". وشكر برييتو الكتيبة الاسبانية على توفير كل الامور اللوجستية والجمعية على دعمها المادي ايضا.
جمعت شجرة الزيتون، رمز السلام، بلدين يتشاركان عادات وتقاليد كثيرة وهمّ السلام ايضا، فهل يحمل تأريخ هذه الاشجار بشرى أمل وسلام للمنطقة؟


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم