الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الطائرة الماليزيّة ... مشكلة جديدة لبوتين هبطت من السماء

جورج عيسى
الطائرة الماليزيّة ... مشكلة جديدة لبوتين هبطت من السماء
الطائرة الماليزيّة ... مشكلة جديدة لبوتين هبطت من السماء
A+ A-

عندما سقطت الطائرة الماليزيّة أم أش 17 في مقاطعة #دونيتسك شرق #أوكرانيا العام الماضي، لم يكن لذلك الحادث أن يشكّل تدهوراً دراماتيكيّاً في العلاقات ما بين الغرب و#روسيا خصوصاً قبل صدور نتائج التحقيقات الرسميّة. فاقتصرت حينها التصريحات الغربيّة على مشاعر التعاطف والاسى والمساعدة على كشف حقيقة ما جرى، علماً أنّ بعض الاصوات من داخل #اوكرانيا اتهمت المخابرات الروسيّة باستهداف الطائرة وإسقاطها.


قبل نتائج التحقيقات التي تولّاها مجلس السلامة الهولندي، كان الناطق باسم الكرملين #ديمتري_بيسكوف يعارض التحقيقات قائلاً:"هناك وقائع تقدّم بها الجانب الروسي تمّ تجاهلها لأسباب غير واضحة. و#روسيا أعربت مراراً عن عدم موافقتها على النقص الحاصل في مستوى التعاون والالتزام بالخبراء الروس في التحقيقات".


وكما كان متوقّعاً بحسب تحليلات كثيرة صدرت سابقاً، فإنّ المجلس أصدر النتائج التي لخّصت أسباب التحطّم بانفجار رأس حربي لصاروخ باك الروسي الصنع قرب الطائرة. وكنتيجة للانفجار تفكّكت أجزاء من الطائرة قبل أن تتفتّت هذه الاخيرة هي الاخرى الى أجزاء في الجو. وقال المجلس إنّ سبباً كافياً توفّر للسلطات الاوكرانيّة لاغلاق الاجواء أمام الرحلات المدنيّة قبل الحادث، وأشار في نفس الوقت الى 160 طائرة كانت تحلّق في هذه الاجواء.


واستبعد المجلس حدوث أخطاء تقنيّة أو إصابة الطائرة بواسطة نيزك. وقال إنّ الصاروخ انفجر فوق الجهة اليسرى من المقصورة الأماميّة على بعد أقل من متر مكعّب واحد من قمرة القيادة، ما أدّى الى مقتل الطاقم المؤلّف من ثلاثة أشخاص على الفور. وفي كلام يناقض تحقيقات أوّليّة جرت، أشار المجلس إلى عدم استبعاد فرضيّة أن يكون بعض الركّاب استطاعوا الحفاظ على وعيهم خلال 90 ثانية التي استغرقها هبوط الطائرة قبل التحطّم، الأمر الذي اعتبره ذوو الضحايا وقتاً طويلاً عانى فيه أحبّاؤهم من الألم والرعب والصدمة.


وفي أوّل تعليق على الحادث، أعلنت #واشنطن أنّ "الولايات المتّحدة ستدعم بالكامل جميع الجهود لجلب المسؤولين عن هذه الحادثة الى العدالة. تقديراتنا لم تتغيّر. رحلة أم أش 17 أسقطت بصاروخ أرض-جو أطلق من أرض يسيطر عليها إنفصاليّون شرق #أوكرانيا. الضحايا وأحبابهم مذكورون في أفكارنا وصلواتنا".


أمّا #روسيا فردّت على لسان مساعد وزير الخارجيّة #سيرغي_ريابكوف متهمة التقرير بالانحياز. وقال ريابكوف:" نأسف لاّنه على رغم محاولات روسيا المتكرّرة والمطوّلة لتنظيم التحقيق بطريقة مفهومة وغير منحازة، وللاخذ بالاعتبار جميع المعلومات التي بحوزتنا، ... هناك محاولة واضحة لرسم خلاصة منحازة تنفّذ أوامر سياسيّة معيّنة".


لكن كما يبدو لم تكن #واشنطن مستعجلة لاستغلال الحادث من أجل زيادة الضغوط على #موسكو. فبحسب موقع "واشنطن بلوغ" قام مسؤولون في المخابرات الاميركيّة في تمّوز الماضي بالطلب الى الرئيس #باراك_اوباما بنشر تحقيق إستخباري عن إسقاط الطائرة الماليزيّة. لكنّ الادارة لم تكن تؤيّد ذلك الاتجاه خوفاً من أن يؤدّي اتهام روسيا – بدون أدلّة استخباريّة قويّة- الى تفاقم التوتّر في العلاقة المتأزّمة أصلاً. وعلى رغم التأكّد من أنّ الطائرة أسقطت باستهداف عسكريّ إلّا أنّ فرضيّات عديدة كانت مطروحة من بينها "أنّ أوليغارشيّة قويّة داخل #أوكرانيا كانت تريد توريط القوّات الموالية لروسيا وروسيا بهذه الفوضى". ويذكر الموقع أنّ الادارة الاميركيّة حاولت منذ وقت طويل أن "تبني استخباراتها حول سياساتها" ممّا أدّى الى صراع بين مفهومي "التقديرات الحكوميّة والتقديرات الاستخباريّة" ظهر بعض منه من خلال نظرة الطرفين الى تلك المسألة.


في تمّوز الماضي من السنة الحاليّة أيضاً، استخدمت #روسيا حقّ الفيتو في مجلس الامن لعرقلة تشكيل محكمة دوليّة خاصّة لملاحقة المسؤولين عن إسقاط الطائرة الماليزيّة فوق #أوكرانيا في 17 تمّوز 2014. وعلّق ألكسندر بونوف من معهد كارنيغي على التصرّف الروسي، كاتباً في الموقع الرسمي للمعهد، أنّ الروس متيقنون من كونهم لن ينالوا اتّهاماً قضائيّاً غربيّاً مباشراً لأنّ الثقافة الغربيّة القانونيّة لا تسمح بذلك. فهم يعلمون أنّ اسقاط الطائرة لن ينطبع في الذهن الغربي كما انطبعت أحداث 11 أيلول التي ارتكبتها القاعدة او كهجوم #لوكربي الذي خطّطت له مخابرات الزعيم الليبي السابق #معمّر_القذّافي. ويستند الروس الى علاقاتهم المهمّة مع #ماليزيا من حيث التجارة او من حيث التعاون في مجالات أخرى. ويقول بونوف أنّ إدلاء الشهادات في محكمة دوليّة مسألة مختلفة عن نشر أحاديث لشهود عيان في الصحف. والاتكال الروسي ينصبّ على أن يتّجه العالم الى اتهام فرديّ لبعض المسلّحين عوضاً عن توجّه مجتمع دولي الى اتهام الدولة الروسيّة بأكملها مع سياسيّيها. ويضيف بونوف الى أنّ الروس يحاولون تصوير المحكمة على أنّها "مؤامرة" ضدّهم، لكنّ حليفهم رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق شدّد على أهمية المضي قدماً في تشكيل المحكمة الدوليّة ما يشكّل نوعاً من الاحراج لهم.


من جهة أخرى، تواجه روسيا مشكلة مع الأوروبّيّين، فالطائرة التي أسقطت كان على متنها 298 راكباً من بينهم 193 هولّنديّاً و حوالي 10 بريطانيّين و10 أوروبيين من جنسيّات مختلفة. وبورصة العلاقات الاوروبيّة الروسيّة عرفت صعوداً وهبوطاً بدءاً من الازمة الاوكرانيّة، مروراً بابداء مرونة تجاه دور روسي في #سوريا بعد معاناتهم من أزمة اللاجئين، وصولاً الى إعادة رفع اللهجة من قبل #الاتحاد_الاوروبي أمس، مطالباً الروس "بوقف فوري" للضربات الجوّيّة التي تستهدف "المعارضة المعتدلة".


وإذا استثنينا مشكلة قد تكون جديدة مع #ماليزيا التي فقدت حوالي 43 مواطناً، تبقى المشكلة مع أوروبا قابلة للامتصاص. فالموقف الاوروبيّ بحاجة الى مزيد من الوقت كي يتبلور خصوصاً أنّ سياسيّي القارّة العجوز لا ينخرطون في مواجهات متهوّرة أو غير محسوبة مع الروس أو مع غيرهم. والبيان الاخير لوزراء خارجيّة #الاتحاد_الاوروبي لم يحمل تصعيداً تجاه الروس، إضافة إلى أنّ الموقف نفسه ليس متجانساً أصلاً داخل الاتحاد تجاه السياسات الروسيّة والسوريّة معاً.


والجدير بالذكر أنّ التقرير الصادر عن مجلس السلامة الهولندي، هو تقرير يشرح "كيف" حصل الحادث ولا يدخل في حيثيّات اتهاميّة مباشرة. فالتحقيق الجنائي الذي يبحث في تحديد الجهة المسؤولة عن إطلاق الصاروخ والأسباب التي دفعتها الى ذلك، لا يتوقّع له أن ينهي تقريره قبل مطلع السنة المقبلة. وهذا يعني أنّ #موسكو ستكسب مزيداً من الوقت للتخلّص ولو تدريجاً من نقمة الغرب وإزالة الضغوطات عنها.


وانطلاقاً من هنا، يحاول #الكرملين قلب الصورة عبر المراهنة على أحداث تاريخيّة مشابهة. في الواقع، يعيد بونوف التذكير بما حدث في عام 1983، حين أسقطت مقاتلة سوفياتيّة طائرة كوريّة على متنها 269 راكباً بينهم 79 أميركيّاً وعلى رأسهم عضو في الكونغرس. فبعد حملة إعلاميّة وإجرائيّة أميركيّة ضد السوفيات، أطلت سنة 1985 حاملة معها لقاء ريغان وغورباتشيف، علماً أنّ ريغان كان وصف الحادثة بالجريمة ضدّ الانسانيّة. وحملت تلك السنة أيضاً تحسّناً في العلاقات بين كوريا الجنوبيّة والاتحاد السوفياتي.


وبانتظار التحقيقات الجنائيّة القادمة، والردود الغربيّة التي يتوقّع لها أن تأتي ضمن المعقول في المستقبل القريب، يبدأ الروس الآن بشنّ ردّ إعلاميّ مضادّ يحرّك نظريّات مؤامراتيّة يقول أنّها تستهدف روسيا ودورها في حماية الدول الضعيفة ومساعدتها على التحرّر من الهيمنة الغربيّة. وبدأت أولى بشائر التحرّك الاعلامي المضاد عبر صحيفة البرافدا الناطقة بالانكليزيّة والتي عنونت مقالها:"كما كان متوقّعاً، لا دليل ضدّ روسيا" حيث هاجمت التقرير بعنف معتبرة أنّه لا يستند الى أدلّة ذات شأن.


في النهاية، لا خوف كبيراً على الكرملين من تداعيات التقرير الهولندي، فحلول الارض في روسيا مستعدّة دوماً لاستقبال مشاكل السماء... على مختلف أنواعها.


.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم