الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الربيع العربي يحصد نوبل للسلام ... برحيق الياسمين

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الربيع العربي يحصد نوبل للسلام ... برحيق الياسمين
الربيع العربي يحصد نوبل للسلام ... برحيق الياسمين
A+ A-

في كانون الأوّل 2014 اختارت مجلّة "الايكونوميست" البريطانيّة دولة #تونس كوطن أزهر أملاً، في سنة شهدت تطوّرات دراماتيكيّة عنيفة في العديد من دول العالم. ووصفت حينها المجلّة تونس بأنّها دولة "واقعيّة ومعتدلة أنشأت الأمل في منطقة تعيسة وعالم مضطرب".


وفي تشرين الأوّل 2015 اختارت لجنة #نوبل النرويجيّة منح جائزتها للسلام الى الرباعي الراعي للحوار الوطني في #تونس، وذلك تقديراً منها لمساهمة الرباعي في بناء ديمقراطيّة متعدّدة بعد #ثورة_الياسمين في العام 2011.


ليس من السهل أن تؤول جائزة السلام تلك الى رباعيّ الحوار في #تونس، خصوصاً أنّ لائحة المرشّحين المحتملين لتلك الجائزة كانت تضمّ شخصيّات رائدة في الدعوة الى السلام والعمل من أجله مثل #البابا_فرنسيس والمستشارة الالمانيّة #انجيلا_ميركل والرئيس الكولومبي خوان_مانويل_سانتوس وغيرهم.


فتونس وبحسب "الايكونوميست" لم تعد مجرّد دولة صغيرة، بل أضحت "رمزاً". منها انطلق التغيير والامل بغد أفضل لجميع الشعوب العربيّة. وفي وقت تقاسي فيه دول عربيّة عدّة الويلات من أجل التخلّص من الاستبداد السلطوي والتطرّف الديني معاً، استطاعت #تونس أن تقدّم نموذجاً فعّالاً في الانتقال من حكم أحادي الى آخر أقرب ما يكون الى التعدّدية.


اللجنة الرباعيّة تأسّست صيف 2013 وتألّفت من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والهيئة الوطنيّة للمحامين التونسيّين والرابطة التونسيّة لحقوق الانسان. ونظّم الرباعيّ حوارا وطنيّاً طويلاً وصعباً ساهم في تجنّب الوقوع في فخّ شلل المؤسّسات. وأتت ولادة الوساطة الرباعيّة بعدما "كانت عمليّة الانتقال الى الديمقراطيّة تواجه مخاطر نتيجة اغتيالات سياسيّة واضطرابات اجتماعيّة على نطاق واسع" بحسب ما جاء في بيان اللجنة.


صحيفة "الواشنطن بوست" الاميركيّة اختصرت تفسير السبب وراء نيل الرباعي التونسي لجائزة نوبل للسلام، بخريطة واحدة: خريطة العالم العربي والدول التي شهدت انتفاضات الربيع العربي وقالت:"لكي تفهموا قرار اللجنة النرويجيّة انظروا فقط الى هذه الخريطة". وأضافت: "#تونس هي الدولة الوحيدة حيث مستوى معيّن من الديمقراطيّة يستمرّ بعد الاطاحة بنظام تسلّطي".


عندما انطلق الرباعي بمهمّته، قام بفتح خطوط التواصل والحوار بين مختلف القوى التونسيّة دافعاً إيّاها للتوصّل الى خريطة طريق تضمّنت توافقاً على الدستور، حكومة تكنوقراطيّة ولجنة مستقلّة للانتخابات. وبعدها خطت البلاد خطوات بطيئة لكن صحيحة باتجاه التطوّر والحداثة.


الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العبّاسي أكّد لوكالة "رويترز" أنّ "هذه الجائزة رسالة لمنطقتنا بضرورة إلقاء السلاح والجلوس الى طاولة المفاوضات". أمّا الرئيس الفخري للرابطة التونسيّة لحقوق الانسان مختار الطريفي، فرأى أنّ الجائزة دليل الى أنّ العالم يراقب #تونس التي لديها الكثير لتنجزه مشدّداً على ضرورة حماية الدولة من الارهاب ومن الازمات الاقتصاديّة.


ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانيّة عن الخبيرة في الشؤون التونسيّة داخل معهد كارنيغي ساره شايس أنّ صناعة السلام بدأت من داخل الرباعي نفسه قبل انطلاقه لتأدية وظيفته على الصعيد الوطني، معتبرة أنّ ما حدث هو سابقة في تاريخ جوائز نوبل للسلام، ومثنية على جهود الرّباعي والاوقات الصعبة والطويلة التي أمضاها في محاولة تقريب وجهات النظر.


وتضيف الصحيفة نفسها أنّ أكثر ما يجب تأمّله في تلك الدولة المفاوضات المتمثّلة بالحوار الوطني الذي ينجزه الرباعي والقوى الوطنيّة الاخرى قبل الوقوع في المشاكل والاستقطابات الحادّة. وتشدّد على دور القوى الفاعلة التي قبلت بالمشاركة في الحوار بتوجّهيها الاسلامي والعلماني المتمثّلين بحركة النهضة ونداء تونس بالاضافة الى المقرّبين منهما.


واللافت أنّ الجزء البارز في الوساطة الرباعيّة، الاتحاد العام التونسي للشغل، لم يكن حياديّاً. بل اتخذ سياسات ومواقف مناهضة للاسلاميّين وكانت هناك صدامات متكرّرة بين الطرفين. وبحسب "الغارديان"، لم يمثّل الرباعي جميع المعارضين للرئيس السابق #زين_العابدين_بن_علي. فعلى عكس الناشطين في مجال حقوق الانسان الذين تعرّضوا لضغوطات دائمة من النظام السابق، كانت قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل مقرّبة من بن علي، لكنّ "الفروع المحلّيّة للاتحاد هي التي لعبت دوراً محوريّاً لا قياداتها".


بعد انبثاق الدستور التونسي الجديد عن الحوار السنة الماضية، وفوز نداء التونس في الانتخابات التشريعيّة واستلام حكومة تكنوقراطيّة للسلطة التنفيذيّة بالاضافة الى فوز الباجي قائد السبسي بالرئاسة، ليست تونس بعدُ عصيّة تماماً على الفوضى الطبيعيّة والمتوقّعة التي تلي الثورات. فحوالي 2500 تونسي يشاركون في القتال الى جانب "#داعش" في #سوريا، والحوادث الامنيّة المتنقّلة مثل الاعتداءات التي تعرّض لها احد الفنادق في #سوسة ومتحف #باردو ومحاولة بعض الوجوه القديمة من النظام السابق العودة الى الساحة السياسيّة... جميع هذه الامور تشير الى أنّ الطريق ما زالت صعبة وشائكة أمام التونسيّين، لكنّ الأمل هناك يبدو أقوى من هذه العوائق.


قيل عن "الربيع العربي" الكثير وبقي الأكثر ليُطرح ويُناقش. فالجميع تعلّم من تونس أموراً عدّة: الشعوب تعلّمت كسر حاجز الخوف والانتفاضة على "حكّام الأبد". لكنّ هؤلاء أيضاً تعلّموا أيضاً كيف يحصّنون مواقعهم السلطويّة أفضل من ذي قبل، فرأى العالم كيف كانت الانتفاضات تجد صعوبات أكثر في الاطاحة بالرؤساء كلّما انتقلت الثورات من دولة الى أخرى.


وعلى رغم هذا، يبقى الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من تونس كيفيّة إدارة المرحلة الانتقاليّة من جهة، وكيفيّة إدارة التناقضات من جهة أخرى. الجيران الليبيّون، يجرون حوارهم الخاص خارج بلدهم، على وقع المدافع. بينما على العكس تماماً، يجري التونسيّون حوراهم الخاص داخل بلدهم، لتلافي وقع المدافع. أربع قوى مدنيّة كانت كافية لإخراج #تونس من شرنقة التشجنّات والصدامات، واجتراح ما يقترب من كونه معجزة في تقريب وجهات النظر ما بين الاسلاميّين والعلمانيّين.


استحقّت تونس برباعيّتها جائزة نوبل للسلام. فالسلام يليق بالشجعان، وانطلاق #تونس نحو التغيير تطلّب شجاعة استثنائيّة. تماماً كما يتطلّب الياسمين نفس الشجاعة لينبت أحياناً تحت قسوة الطبيعة، قبل إيذانه بمجيء ربيع يطول انتظاره غالباً... لكنّه يأتي دائماً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم