الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نظام الأسد: السؤال الصعب والجواب الأصعب

المصدر: النهار
جورج عيسى
نظام الأسد: السؤال الصعب والجواب الأصعب
نظام الأسد: السؤال الصعب والجواب الأصعب
A+ A-

بعد الاستفحال الكبير في الأزمة السوريّة والذي تُسأل عنه الدول الكبرى بشكل أساسيّ، ما زال الحلّ السياسيّ الذي يتحدّث عنه الجميع معلّقاً على مصير الرئيس السوري #بشّار_الاسد ودوره في أيّ مرحلة انتقاليّة، إذا تمّ القبول، داخليّاً وخارجيّاً، ببقائه خلال تلك المرحلة.


الغرب الذي يصرّ على رحيل الاسد، أقلّه على المستوى الكلامي، يهتمّ بالدرجة الاولى ببقاء النظام وعدم انهيار المؤسّسات بغضّ النظر عن مصير الرئيس. وبالتالي تصرّ الدول الغربيّة، ومعها جزء كبير من المعارضة، على الفصل بين نظام الأسد والأسد نفسه. عند هذا المفترق، يصبح التوقّف عند السؤال المركزي المتعلّق به ملحّاً: هل يُعتبر كلاماً واقعيّاً الحديث عن استمرار النظام في #سوريا بدون الاسد؟ أم أنّ الحاجز الذي يفصل بين النظام ورأسه هو حاجز وهميّ فقط؟


عام 2004 نشر موقع جامعة أوكلاهما دراسة للكاتب إيال زيسر وصف فيها المرحلة الانتقاليّة التي شهدها النظام بعد وفاة الرئيس السابق #حافظ_الاسد واستلام ابنه لمقاليد الحكم. ورأت الدراسة أنّ النظام الذي ورثه الاسد الابن كان يتمحور حول شخصيّة الاسد الأب، لكنّه في الوقت نفسه بُنيَ بطريقة متعدّدة الاوجه، منها شخصيّة ومنها طائفيّة واجتماعيّة وغيرها. وأشار زيسر الى أنّ الاسد الابن لم يكن نتاجاً للنظام العسكري والحزبي كما كان والده. ومع أنّه حاول الانفتاح على شخصيّات من خارج النظام، إلّا أنّ تلك الوجوه الجديدة لم تؤمّن له مساعدة إضافيّة في الحكم، لأنّها لم تكن مؤثّرة داخل دوائر القرار، كما أنّها لم تتمتّع بشعبيّة واسعة. ووصفت الدراسة هيكليّات الحكم بأنّها منظّمة جدّاً وهرميّة ومستندة الى دستورَي البلاد والحزب معاً. وحاول الاسد الابن ايجاد منفذ لتلك المؤسّسات كي تصل الى أدوار فاعلة في القرار السياسي والقيادة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. لكن على رغم ذلك، بقيت سلطة مجلس الشعب مثلاً، بحسب الدراسة، رمزيّة وتنقصها قدرة التأثير في صناعة القرار. ويخلص الكاتب الى أنّ الاسد الابن تجنّب إدخال تعديلات مهمّة الى نظام والده باستثناء جذب بعض البيروقراطيّين الى المنظومة. وشدّد حينذاك على أنّ الحكمة كانت تقتضي بإقامة علاقات مع المجموعات القويّة التي أسّسها والده وخصوصاً في المجال العسكري والامني للاستمرار في الحكم من جهة والتمكّن من إدخال بعض الاصلاحات الى النظام من جهة أخرى.


بعد سنتين على انطلاق الثورة في سوريا، أعدّ جوزف هوليداي تقريراً لموقع "أندرستاندينغ وور" اعتبر فيه أنّ #الولايات_المتّحدة حدّدت أهدافاً عدّة لطريقة إدارتها الملف هناك، من بينها تلافي تحوّل #سوريا الى دولة فاشلة تؤدّي الى زعزعة الاستقرار في كلّ المنطقة. لكنّه اعتبر حينها مؤسّسات الدولة سقطت فعلاً في وحول الفشل، الأمر الذي فسّر انتفاء فرضيّة الحذر المسبق من انهيار الدولة. وتوقّع في حال سقوط الاسد، ألّا تحصل المعارضة على فرصة أو وقت للانتصار، ولكنّ سقوط الرئيس السوري سيكون مجرّد مرحلة انتقاليّة لمستوى جديد من الصراع حيث ستنضمّ بقايا النظام الى الميليشيات الموالية والانخراط في القتال.


واستشهد هوليداي في تقريره بما نقلته صحيفة "الشرق الاوسط" على لسان الاسد حين قابل الموفد الدولي آنذاك #الاخضر_الابراهيمي:"أنا أستطيع أن أربح الحرب حتى ولو دُمّرت دمشق". وأشار الكاتب الى أنّ هذا الاقتباس يعكس توقّع الاسد في إمكانيّة أن يظلّ لاعباً قويّاً حتى ولو سقطت #سوريا. ورأى أنّ آليّة عمل النظام وحملته في ضرب المتمرّدين سرّعتا تطييف الصراع و"حجّمتا المؤسّسات البعثيّة التي أوجدها والده الى مجرّد ميليشيا طائفيّة".


بالعودة الى ما آلت اليه الامور في سوريا اليوم، وللتحقّق من إمكانيّة الفصل بين النظام كمؤسّسات والنظام كرأس هرم متمثّل بالاسد، أجرى موقع "بيزنس إنسايدر" مقابلة لهذه الغاية، مع الباحث في مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيّات طوني بدران الذي اعتبر وجود مؤسّسات منفصلة عن الاسد مجرّد "أسطورة كبرى". بدران شدّد على أنّ هذه "المقايضة تمثّل "إساءة فهم لكيفيّة عمل الدولة السورية ولآليّة العمل داخل المجتمع العلوي نفسه". وأضاف للموقع عينه:"إذا سحبْتَ الاسد من النظام فإنّ هذا الاخير سينهار بأكمله".


تُبنى الانظمة في دول العالم الثالث معظمَ الاحيان، بطريقة تجعلها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً يتعدّى المستوى الوظيفيّ ليصل الى ما هو عضويّ أيضاً. وفي غالبيّة هذه الدول، يبدأ الرئيس مسيرته بتنظيم آليّة عمل داخل المؤسّسات، تتصل بشخصه، لا بالدستور ولا بالقانون الذي يرعى وحده حسن سير المؤسّسات والمرافق العامّة في الدول الديمقراطيّة.


وتلك التعقيدات في العلاقة بين المؤسّسات وتشابكها مع شخص الرئيس هي التي تصيّر عمليّة التغيير من دون الوقوع في الفراغ الامني بالغة الصعوبة. وفي المسألة السوريّة لا يختلف المشهد كثيراً باستثناء بعض التفاصيل. فالأسد الابن حافظ على البنى التقليديّة في نظامه، والأهم وطّد حلف الرئاسة مع المؤسّسة العسكريّة عبر حلقة ضيّقة من الضبّاط العلويّين وعلى رأسهم شقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري الذي أظهر تماسكاً كبيراً خلال السنوات الاخيرة، فلم تظهر فيه انشقاقات على مستوى الألوية أو الكتائب.


لكن على رغم ذلك، تبقى الانظار موجّهة الى تلك المؤسّسة كحلقة نفوذ قائمة بحدّ ذاتها. فالاسد الابن كما هو معلوم لم يأتِ من صلب تلك المؤسّسة كما فعل والده، ولهذا السبب يأمل الغرب في الابقاء على تلك الحلقة، وربّما التفاوض مع الروس، بالنسبة الى محاولة فكّ التحالف بينها وبين الرئاسة، بطريقة تضمن الحفاظ على المؤسّسات الاخرى وتضمن أيضاً بالحدّ الأدنى، متطلّبات مرحلة انتقاليّة يتحدّث الجميع عنها، لكنْ في نفس الوقت، يفتقر الجميع الى معطياتها وصورتها التفصيليّة .

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم