الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تسليح المعارضة السوريّة مجدداً... أوباما يتلذّذ بطعم الفشل

المصدر: جورج عيسى
تسليح المعارضة السوريّة مجدداً... أوباما يتلذّذ بطعم الفشل
تسليح المعارضة السوريّة مجدداً... أوباما يتلذّذ بطعم الفشل
A+ A-

"تسليح الثوّار هو بحكم الأمر الواقع تسليح للمتطرّفين، نقطة". ليس الكاتب إدوارد دارك الذي أورد هذه الجملة في مقال له منذ سنة تقريباً في موقع "المونيتور"، هو أوّل من تقدّم بتلك الفكرة، وبالطبع لن يكون الأخير. فبغضّ النظر عن هذه الفكرة التبسيطيّة لمشكلة التطرّف وإلصاق هذه الصفة بجميع المقاتلين كيفما اتّفق، إلّا أنّ نتائج برامج تسليح أو تدريب المعتدلين من السوريّين فعلاً باءت بالفشل الذريع. لكن، لا دخل لنظريّات الاعتدال والتطرّف بهذا الموضوع، على الأقل بطريقة مباشرة.


أتى مؤخّراً خبر تسليم الفرقة 30 " جبهة النصرة" اسلحتها، ضربة قاصمة لمشروع #البنتاغون لتدريب مقاتلين سوريّين لمواجهة "#داعش" بكلفة 500 مليون دولار أميركي. وأعيد مؤخّراً الى الواجهة طرح تسليح المعارضة المعتدلة خصوصاً بعد الضربات الروسيّة التي يحكى أنّها استهدفت وحدات قتاليّة مدعومة من الأميركيّين، وإن كانت الخطّة طُرحت قبل تلك الضربات.


لكنّ المشكلة في تسليح السوريّين المعتدلين أكبر من الأزمة السوريّة نفسها. هي أوّلاً مشكلة تاريخيّة واجهتها #الولايات_المتّحدة مع حلفاء لها حاولت تدريبهم ودعمهم لمواجهة خصومها فأتت النتائج مخيّبة للآمال.


قناة "دوتشيه فيله" الالمانيّة أعدّت تقريراً ذكرت فيه فشلاً أميركيّاً كبيراً عبر التاريخ في تسليح موالين أو حلفاء لها. القناة ونقلاً عن المساعد السابق لوزير الدفاع الاميركي في إدارة الرئيس #رونالد_ريغان لورانس كورب، ذكرت سلسلة من الخيبات إزاء مشاريع التدريب هذه، والتي بدأت سنة 1975 وصولاً الى السنة الحاليّة. وعرضت فشل القوّة الافغانيّة المدرّبة أميركيّاً في الدفاع عن مدينة قندوز، كما تطرّقت الى فشل القوّات العراقيّة المدربة من الاميركيين، في الوقوف بوجه "#داعش". والامر نفسه حصل بعد أن فشل الجيش الفيتنامي الجنوبي في صدّ الفيتناميّين الشماليّين. وتعود تلك المشكلة بحسب التقرير نفسه الى غياب الدافع لدى الوحدات المدرّبة للدفاع عن حكوماتها لأنّها "عاجزة وفاسدة وطائفيّة".


وكان قائد الفرقة 30 العقيد الركن محمّد الضاهر، عدّد أسباب انسحابه من الفرقة والتي كان أهمّها البطء في تنفيذ برنامج التدريب وعدم تزويد الفرقة بالاحتياجات اللازمة للعمل وانعدام الرؤية في انتقاء كوادرها وغياب التجانس بين أفرادها.


وانعدام الرؤية لا يظهر فقط على مستوى انتقاء الكوادر، بل إنّ قيام إدارة أوباما بحصر الهدف من إنشاء تلك القوى في محاربة "#دعش" يعدّ أيضاً افتقاراً لنظرة واضحة تنطلق من الأرضيّة السياسيّة الحقيقيّة التي ولّدت الأزمة السوريّة.


فمن جهة أولى، وبحسب آخر الأخبار الصحافيّة، فإنّ الرئيس الاميركي #باراك_أوباما أوعز الى #البنتاغون تزويد قوّات المعارضة السوريّة على الارض "بذخائر وربّما بأسلحة" لمحاربة "#داعش" الى جانب القوّات الكرديّة. وبغضّ النظر عن كون هذا الدعم يشبه على المستوى المعنويّ الدعم البريطاني للمعارضة "بأسلحة غير هجوميّة" منذ سنتين، فإنّ المقاتلين الذين لم تهبّ #واشنطن الى نجدتهم حين اعتقلتهم "#جبهة_النصرة" بالسرعة المطلوبة، لن يُبدوا حماسة كبيرة للقتال في ظلّ تحليق الطيران الروسي في الاجواء السوريّة. هذا، إذا تمّ استثناء فكرة أنّ قتالاً مشتركاً كرديّاً-عربيّاً ليس وصفة مثاليّة لا تعتريها صعوبات عدّة.


ومن جهة ثانية، تلوح في الافق إزدواجيّة في المشكلة: بدايةً لا يمكن الطلب الى مقاتلين يرون في الرئيس السوري "#بشار_الاسد" عدوّاً لهم أن يُسخَّروا – عكساً لأولويّات قناعتهم- لقتال تنظيم "الدولة الاسلاميّة" فقط. وثانياً، تظهّر المشكلة الأولى عمق التناقض في سياسة الرئيس الأميركي أوباما الذي يرى أنّ الاسد هو سبب ظهور التنظيمات الارهابيّة وعلى الرغم من هذا، يدفع بالسوريّين الى مقاتلة النتيجة لا السبب. وهذا الامر يؤدّي الى ظهور تضارب بين المقاتلين السوريّين والادارة الاميركيّة من جهة، وبين سياسات الادارة الاميركيّة نفسها من جهة أخرى.
بوتين اقل تناقضاً
بينما في الجانب الثاني، يبدو الرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين أكثر ارتياحاً واكثر وضوحاً في الرؤية، حيث يعتبر الاسد جزءاً أساسيّاً في أيّ حملة ضد الارهاب، لذلك يتّجه الى حماية مناطق نفوذ حليفه. وانطلاقاً من هنا، تبدو سياسته أقلّ تناقضاً من سياسة نظيره الاميركي، الأمر الذي يعطيها نجاحاً على مدى زمنيّ أطول نسبيّاً، ما لم يطرأ تطوّر في استراتيجيّة #البيت_الابيض وهذا مستبعد حاليّاً. وفي جميع الاحوال فإنّ خطوة بوتين الأخيرة في #سوريا تشكّل أحجية بالنسبة الى #أوباما بحسب ما رأى المحلّل في العلوم العسكريّة جاستين برونك الذي شدّد على أنّ الروس سيحتفظون بحقّهم في الدفاع عن الاسد "طالما بقي مفيداً لهم". وأكّد أنّ بوتين استطاع أن يفرض نفسه على الساحة السوريّة بحيث بات الأميركيّون مضطرّين للحوار معه.


ويلقي السناتور جون ماكّين اللوم على الادارة الاميركيّة في الاختراق الروسي الذي حقّقه #الكرملين على الساحة السوريّة، داعياً في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الى تسليح الثوّار "من أجل إسقاط الطائرات الروسيّة". وماكّين، الى جانب جمهوريّين عدّة، يدعو إدارة أوباما الى إسقاط الاسد بالقوّة، وينتقد الادارة لأنّها طالبت برحيل الرئيس السوري لكنّها لم تُقْدم على أيّ خطوة لتنفيذ سياستها.


من الواضح أنّ ما يشاع عن دعوة أوباما مجدّداً لتسليح المعارضين المعتدلين من السوريّين، هي بعيدة كلّ البعد عن دعوات ماكّين. فالرئيس الاميركي في خطوته يعيد تجربة ما كان مجرّباً أصلاً ولم يأتِ بالنتائج المطلوبة، كي لا يقال أنّه أتى بنتائج عكسيّة تماماً. وتضارب الرؤية لدى أوباما أوصل به مطلع هذه السنة الى قطع التمويل عن المعارضة السوريّة المعتدلة أو تخفيضها لغاية النصف قبل أن يعيد النظر في قراره لاحقاً.


موقع "إيبرابو" يقول أنّ الاتجاه الاميركي في موضوع التدريب هو موضوع غير قابل للاستمرار. الدكتورة كايمي كوندون والمحلّل جيف وايرز يريان في الموقع أنّ إرسال ما تبقّى من هذه الوحدات الى سوريا، لا يشكّل خطراً على حياة عناصرها وحسب، لكنّه قد يربك ويحرج الادارة الاميركيّة خصوصاً في حال فقدانها معدّات حديثة لصالح تنظيمات متطرّفة.


بالتالي، ولسخرية القدر، فإنّ الرؤية الروسيّة تتقاطع مع الرؤية الجمهوريّة (أو قسم كبير منها) لناحية واحدة وهي وضوح الاهداف، على رغم كونهما على طرفي نقيض، لأنّهما على الأقلّ تتمتّعان بالحدّ الادنى من التجانس انطلاقاً من المبادئ التي تستندان اليها. وبين تلك الرؤيتين المتقابلتين، يجلس أوباما الحائر في وسط المسافة الفاصلة بينهما، محاولاً إحياء نفس التجربة مراراً وتكراراً وهو يأمل في كلّ مرّة نتائج مختلفة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم