السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تفاصيل الكارثة الصحية التي تهدد حياة اللبنانيين

باسكال ابو سليمان - أخصائية في الامراض الداخلية
تفاصيل الكارثة الصحية التي تهدد حياة اللبنانيين
تفاصيل الكارثة الصحية التي تهدد حياة اللبنانيين
A+ A-

يتحول الماء، أحد المكوّنات الاساسية للحياة، ولا حياة من دونه، تهديدا لصحّة اللبناني اليوم. إنتهاك آخر لحقوق الإنسان في الحصول على مياه آمنة، يضاف إلى سلسلة إنتهاكات سابقة، أهمّها التخاذل في حلّ ازمة النفايات وما تشكله من جريمةٍ بيئيةٍ وإنسانيةٍ شنعاء، تتمثل في عواقب تكدّس النفايات وإغراق البلد فيها، مع ما يصحبه ذلك من أمراض جرثومية. اما حرقها وما يرافق ذلك من تلوّث للهواء والتربة والمياه، فيؤدّي إلى أمراض آنيةٍ، واخرى على المدى البعيد، وأهمّها السرطانية.



الازمة تتفاقم اليوم أكثر فأكثر، إذ إنّ الحلول المطروحة مجرّد حبر على ورق، وصحّة اللبنانيين في دائرة الخطر. ومع حلول الخريف وهطول الأمطار، يزداد التلوّث نتيجةً عوامل عدة:
-انسداد المجاري نتيجة تراكم النفايات وتكوّن المستنقعات. وهذه البيئة حاضنة للقوارض والحشرات، ممّا يهدّد بانتشار أمراضٍ جرثومية واوبئة عدة، كالكوليرا والطاعون.
- انجراف الرماد الذي يحتوي على مواد سامة ومعادن ثقيلة، واختلاطه بالمياه.
- اختلاط المياه بالنفايات وما تحويه من موادٍ عضويةٍ وغير عضوية وكيميائيةٍ الخ، في شكل مباشر أو غير مباشر.
- إمتصاص التربة للمواد السامّة والمعادن الثقيلة التي استقرّت عليها وعلى النبات، بعدما حملها الرماد المتطاير من حرق النفايات، ودخولها سلسلتنا الغذائية.
- تلوّث المياه الجوفية بسبب المكبّات العشوائية التي استُحدِثَت، من دون أيّة دراسات جيولوجية أو بيئية.


 


كلّ هذه العوامل تؤدي إلى تلوّث التربة والحيوانات والأسماك، والى التلوّث البيولوجي للماء الذي يُعرّف عنه بوجود كائنات حيّة مرئية أو غير مرئية بالعين المجرّدة في البيئة المائية العذبة أو المالحة، السطحية أو الجوفية. وتَنتُجُ غالبا الملوّثات من الكائنات الممرضة عن إختلاط فضلات الإنسان والحيوان بالماء مباشرةٍ، أو بماء الصرف الصحي أو الزراعي.


ماذا عن تأثير كلّ ذلك على صحّة المواطن؟ إلى المواد السامّة والكيميائية والمعادن الثقيلة، تحمل ايضا المياه الملوّثة الفيروسات والباكتيريا والطفيليات والفطريّات. واستعمالها للشرب أو الإغتسال أو غسل الخضار والفاكهة يؤدّي إلى أمراض تُعرف بالأمراض التي تنقلها المياه "Waterborne Diseases" مثل :



Typhoid, Shigellosis, Amebiasis, Giardiasis, Cholera...
- التهاب الكبد الفيروسي Hepatitis A)، الإلتهاب الرئوي الحاد (SARS وغيرها، والتي تودّي في معظمها إلى عوارض في الجهاز الهضمي من إسهالٍ وتقيّوء. كذلك يجب الا ننسى التسمّم بالمعادن الثقيلة، كالرصاص والزرنيخ والكدميوم الخ... وما تتسبّب به من عوارض مرضيّة وأذىً للعديد من أعضائنا الحيوية.


تتسبب المياه الملوّثة بأمراض مختلفة، تبعا للجراثيم أو المواد الأخرى التي تحملها. وتتصف الحالات بالخفة أو الشدّة، تبعا لنوع الإصابة والشخص المصاب. ما الحلّ؟ هل ثمة سبل للوقاية؟ هل ثمة بصيص نور، أم تُرانا نغرقُ في مستنقعات مخلّفات وباء الفساد الذي تفشّى في مؤسسات دولتنا؟ وما تراني أجيب بغير مقولة: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"؟


الحلُّ يقتضي بناء خطة كاملة تبدأ من رأس الهرم :
- البدء بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب لبناء وزاراتٍ كفوءةٍ، قادرة على مواجهة الأزمات وإدارتها ومعالجتها، والعمل الدؤوب على بناء البنى التحتية التي هي دلالة على التطوّر الإجتماعي. ومن أكثر كفاءة من أصحاب الإختصاص في كل المجالات؟



- العمل في شكل طارىء على إزالة النفايات عند ضفاف الانهر وفي الطرق والمكبّات العشوائية، ووضعها في مطامر صحيّة مدروسة لاحتواء الأزمة.
- وقف جريمة حرٌق النفايات التي تلوّث الهواء والمياه والتربة، بفعل انبعاث المواد السامة والمعادن الثقيلة.
- البدء الفوريّ بحملة تثقيف واسعة حول الفرز من المصدر وفوائد إعادة التدوير، بمشاركة البلديّات ووسائل الإعلام.
- تحويل المواد العضويّة اسمدة.
- معالجة نفايات المستشفيات الخطيرة في مراكز متخصصة.
- تضامن كل الوزارات المعنية لوضع خطّة طوارئ وتشكيل لجان فعّالة لا تنام.
- إجراء فحوص دقيقة ومفصّلة للمياه وتوفير المياه المأمونة والمعالجة.
- عدم إستخدام المياه الملوّثة في الشرب أو الإغتسال إلاّ بعد تعريضها للمعالجة بطرق مختلفة، منها التطهير (عبر الكلور، الأوزون، الأشعة فوق البنفسجيّة، الترشيح بالمرشحات الميكانيكية، وغيرها).
- تأمين نظافة الاغذية وجودتها.
- إتباع الممارسات السليمة في تحضير الأطعمة وحفظها.
- إتباع الممارسات السلوكية الصحّية الأساسية، من خلال غسل اليدين بالصابون بانتظام بعد الإبراز، وقبل الامساك بالاطعمة أو تناولها.
- إشراك وسائل الإعلام في نشر رسائل التثقيف الصحي.
- مشاركة القيادات الإجتماعية والدينية في حملات التعبئة الإجتماعية.
- تعزيز الترصد والإنذار المبكر للكشف عن الحالات الوبائيّة الأولى في حال حدوثها، وإتخاذ تدابير المكافحة اللازمة.
- مكافحة الحشرات والقوارض.
- تفعيل دور وزارة الصّحة لتأمين اللقاحات وإجراء حملات تلقيح لأوبئة محتملة، إذا دعت الحاجة، والتحضّر لإتخاذ تدابير التدخّل الملائمة.
- عدم إستخفاف المصاب ومراجعة طبيبه المعالج فور معاناته من أي أعراض مرضية.


 


ولّد تكدّس النفايات والتلكؤ في معالجتها أزمات. وها نحن ندور في حلقةٍ مفرغةٍ أدخلتنا فيها الفوضى وغياب التخطيط والبنى التحتية، وسياسة المصلحة الخاصة، فتمَّ إنتهاك هواءنا ومياهنا وتربتنا، وبالتالي صحتنا. وماذا بقي بعد ؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم