الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رحيل منى اميوني المناضلة في سبيل الانسانية

رحيل منى اميوني المناضلة في سبيل الانسانية
رحيل منى اميوني المناضلة في سبيل الانسانية
A+ A-

وأسدلت الستارة عن مسيرة حياة مناضلةٍ لبنانية، ارتشفت ايام عمرها بشغف المثابرة وحوّلتها الى لحظاتٍ تاريخية. هي منى تقي الدين أميوني التي ناضلت في سبيل الانسان في أكثر من مفترق. المواطنة الدرزية التي لم تثنها الاعتبارات الطائفية الضيّقة عن اختيار رجلٍ مسيحيٍّ تتقاسم معه محطات القفص الزوجي حتى نهاية العمر، لم تكتف بالحصول على شهادة دكتوراه واحدة بدرجة ممتاز من جامعة السوربون الفرنسية في الآداب الفرنسية والانكليزية، بل ارفقت امتيازها بامتيازٍ آخر تكلّل بشهادة دكتوراه ثانية في الأدب العربي.ابنة خليل تقي الدين، سفير لبنان السابق في لندن، رفضت ان تتقاعد عن أداء رسالتها التعليمية في الجامعة الاميركية في بيروت، رغم تخطيها عامها الثمانين. لم تستدن من القدر لحظة تقاعسٍ واحدة يعيّرها بها، بل حافظت على اتقاد شعلة الحياة في صميمها حتى الرمق الأخير.



شهادتا دكتوراه في الآداب
"كانت أمي تتصدّر قائمة أكثر الأساتذة شعبيّةً في صفوف طلّاب الجامعة الاميركية في بيروت، حتى في عامها الثمانين" بهذه الكلمات اختصر تيد أميوني مسيرة نضالٍ تربويٍّ حاكته والدته، الدكتورة منى، بحروفٍ من ذهب. ويضيف: "لم يغيّبها عملها يوماً عن الاهتمام بعائلتها الصغيرة، بل هي لم تتقبل دخول المعترك المهني قبل ان يكبر اولادها، ومن ثم اتجهت نحو عالم التعليم في الـAUB وحصلت على شهادة الدكتوراه في عامها الأربعين بعدما وجدت في الدراسات العليا طريقاً نحو التميّز نظراً لندرتها في تلك الأيام". وعن خصائص شخصيّتها يقول: "لقد كانت امرأة متواضعة الى ابعد الحدود، فهي لم تجعل من مركزها يوماً مدعاة غرورٍ او تسلّط، بل وجدت في التعليم مهنة أحبّتها فطوّرت خبراتها في سبيلها".



الصديقة
كان لمسيرة منى الحياتية تأثير واضح في صفوف طلابها، وهذا ما ساهم به قصّة زواجها العابر للطوائف. يسرد اميوني ان "يوم زواج والديّ، كانت الاكثرية تعارض قيامه، لولا تدخّل جدي خليل تقي الدين الذي كان يحبّذ الانفتاح، فضمن عمليّة سفرهما الى لندن وزوّجهما هناك عام 1952، قبل ان يعودا بعد شهرين حيث عقدت المصالحة بين الأطراف الرافضين واتى الجميع للمباركة". ويعتبر ان "هذه التجربة رسّخت في أذهان طلابها رسالةً قويمة، فأصبحوا يلتجئون اليها لإخبارها عن مشاكلهم وهواجسهم التي تشوب علاقاتهم بعائلاتهم، خصوصاً فيما يتعلّق بالمفترقات الطائفية".


ما قبل الوداع
رغم تقّدمها في العمر، ورغبتها في التقاعد في السنوات الأخيرة، الا ان الجامعة كانت تحثّها دائماً على الاستمرارية. فيلفت اميوني الى ان "امي كانت على علاقة وطيدة بطلايها، حتى انني كنت اتعجّب بالعدد الكبير منهم، الذين يسألون عن معرفتي بها في أكثر من مناسبة (شو بتقربك منى أميوني؟). تلك اللحظات كانت تشعرني بالغبطة والفخر حين اجيبهم انني ابنها. في السنين الأربعة الأخيرة بدأت تشعر بالتعب، وكانت تصارحني دائماً برغبتها في التقاعد، الا ان الجامعة رفضت الاستغناء عن وجودها وعطائها، فكانت تجدّد العقد معها كل 6 أشهر، وعند انتهائه تعيد لتجديده مجدّداً". ويضيف: "في الأشهر الاخيرة كان لديها نيّة صريحة في التقاعد، لكن القدر شاء ان تفارقنا وهي في اوج عطائها".


"قل انني صديقة جيّدة"
يلفت القسّ حبيب بدر، تلميذ الدكتورة أميوني في دراسات الحضارات الى "انّها كانت تنشئ صداقات مع تلاميذها ما شكّل حافزاً لها، وحتى اللحظات الأخيرة كانت الجامعة الاميركية في بيروت تتفاوض على تجديد عقدها". ويعتبر ان "موتها هو وسيلةٌ لحياةٍ أفضل مع الخالق وأن ذكراها ستبقى محفورةً في الذاكرة الى الأبد". وعن آخر حديثٍ دار بينهما يسرد: "حصل ذلك في مأتمٍ حضرته، حيث سألتني ممازحةً (ماذا ستقول عني ساعة موتي؟)، فأجبت (ماذا تريدين ان اقول؟) فقالت وهي تبتسم قل انني كنت صديقةً جيّدة".


الجامعة الاميركية تنعى العرّابة


في كلمة الوداع التي نعت فيها الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة منى أميوني جاء استحضارٌ لأبرز محطات الفقيدة: "أنقل إليكم، بعميق الحزن والأسى، خبر وفاة زميلتنا وصديقتنا العزيزة، الدكتورة منى أميوني (مولودة تقي الدين؛ كانون الأول 1933-أيلول 2015). لقد كانت الدكتورة أميوني زميلة ملهِمة على امتداد سنوات طويلة، وأستاذة محاضرة رفيعة المستوى في برنامج دراسات الحضارات في الجامعة الأميركية في بيروت، وامتدّت مسيرتها المهنية في جامعتنا طوال أكثر من أربعين عاماً من التفاني في الخدمة، فكانت خير مرشدة ومعلمة وباحثة. نالت دكتوراه في الأدب الإنكليزي-الفرنسي المقارَن من جامعة باريس-سوربون (بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف) عام 1976، ثم حازت على دكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة باريس-سوربون (بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف) عام 1990. استمرّت الدكتورة أميوني في منصب محاضرة رفيعة المستوى في برنامجنا حتى صيف 2015 عندما قرّرت التقاعد". وفي توصيفٍ لصفاتها الحميدة أضافت الكلمة: "لقد كانت مصدر إلهام لأجيال عدّة من الطلاب والزملاء، وأضافت تبصّراً وفكراً عميقاً إلى برنامجنا، فضلاً عن روح الزمالة الصادقة والأصيلة التي تمتّعت بها. سوف نفتقدها كثيراً في برنامج دراسات الحضارات، كما سيفتقدها عدد كبير من طلابها السابقين وأصدقائها في الجامعة. أتقدّم بأحر التعازي إلى أسرتها، وإلى جميع أصدقائها وزملائها في الجامعة الأميركية في بيروت. فلترقد نفسها بسلام".


بعض الذين نفارقهم، نودّعهم بفرحٍ عميق وابتسامةٍ قلبيّة. في وداع منى أميوني لا مكان للنحيب والعويل، بل محطّة لاستحضار الذكرى المتكاملة. ما أجمل ان يكتب التاريخ سجلاً حافلاً بالجمال الانساني والعلمي بدرجة ممتاز. كانت محاضرةً وقدوةً في دراسات الحضارات، وحين غابت، رحلت على شكل حضارة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم