الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

التدخل العسكري الروسي: شراكة ضد الارهاب أم انقاذ لقواعد الاشتباك؟

جهاد مقدسي- سياسي سوري مستقل
التدخل العسكري الروسي: شراكة ضد الارهاب أم انقاذ لقواعد الاشتباك؟
التدخل العسكري الروسي: شراكة ضد الارهاب أم انقاذ لقواعد الاشتباك؟
A+ A-

في موسكو، و خلال محادثة غير رسمية مع مسؤول روسي رفيع على إطلاع من خلال تموضعه بمصالح الدولة العميقة في روسيا وبعد نقاش طويل حول طبيعة دور بلاده في سوريا كان يكرر خلاله الموقف القائل بأنهم يدعمون الدولة السورية و ليس السلطة و بعد هذا الجدل الطويل توقف و قال بصراحة ووضوح : يجب ان يعلم الجميع أن الرئيس بوتين لن يسمح بسقوط "دمشق و اوكرانيامهما استلزم الأمر من إجراءات و قرارات" و لخص بهذه الجملة موقف روسيا المستعد للذهاب للنهاية في المواجهة مع الغرب.


انا بالطبع لا أذكر هذا الجزء من المحادثة لأكشف سراً فموقفهم الداعم للدولة و للسلطة معاً واضح للعيان، كل ما كنا نريده هو أن يكون هناك مساع حميدة روسية تدفع بالسلطة من خانة التعنتإلى خانة الصلابة الطبيعية لأي نظام سياسي، بأي حال عندما سمعت عن التطورات العسكرية الأخيرة بالموقف الروسي استحضرتني مرة أخرى الجملة التي سمعتها بنصفها الثاني طبعاً: ( .....مهما استلزم الأمر من إجراءات و قرارات) ، لذلك في ضوء التطورات الروسية العسكرية الأخيرة في مطار حميميم ، يبدو أننادخلنا فعلاً مرحلة اتخاذ روسيا لإجراءات إضافية ( من باب مهماتطلب الأمر) و بالتالي تم اقفال ملف احتمال سقوط "السلطة" بالتدهور و التآكل العسكري و خاصة في المنطقة الساحلية و هيأهم خزان جماهيري للسلطة . ونشهد الآن مرحلة تتسم بجرأة أكثر حيث انتقلت روسيا من دور المظلة السياسية إلى الداعم اللوجستيالمباشر و بقوة عبر حضور شفاف له هدف و معنى و رمزية و قابلللتطور.


في الوقت عينه، أعتقد أن #روسيا أذكى بكثير من الانخراط في حرب برية بالوكالة مشابهة لما جرى في أفغانستان التي و للتذكير فقطانسحب السوفييت منها بعد خسارة ١٣ ألف جندي سوفييتي و هورقم صغير جداً إذا ما قورن بما قد تواجهه روسيا في سوريا منخسائر في حال كان انخراطهم عسكرياً مباشراً و بحرب بريةمفتوحة (لاسمح الله لأننا لا نتمنى لأحد الموت على أرضنا) بلنطالب بخروج كل أجنبي من أرضنا السورية "بنهاية المطاف" وبغض النظر مع أي طرف كان ليترك سوريا للسوريين .


لذلك ما يحصل ( حتى الآن) ليس انخراطاً روسياً عسكرياً مباشراً رغم كل ما يثار إعلامياً فالمهمة الروسية مازالت حتى اللحظة(تدريبية و استشارية و دفاعية) و لم تتحول لـ هجومية برية من حيث واقع حجم و نوعية القوة التي تم نشرها لكن في الوقت عينه روسيامستعدة للذهاب حتى النهاية كما يتضح من موقفها المتصاعد ، ولذلك صرح الكرملين أنه سيدرس أي طلب سوري بإرسال قوات ( بمعنى قوات و ليس عتاداً فقط) و هو أراد القول أن ما أفعله ليسارسالاً للقوات حتى اللحظة .


اعتقد أن زيارة رئيس مجلس الأمن الوطني اللواء علي مملوك إلى موسكو في ٢٨ حزيران كانت لدق ناقوس الخطر لدى الروس بانالساحل السوري في خطر محتمل ( و هو خزان السلطة جماهيرياًو ظهيرها) بضوء الضغط التركي من الشمال ، و ان واقع سقوط معظم الشمال على يد #جيش_الفتح الذي هو نسخة ملطفة منجبهة النصرة الموالية للقاعدة قد يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحمراءالدولية في ظل الوضع الاعرج لإدارة أوباما . فيما إيران مازالتتتعامل مع سوريا على مبدأ ( #سوريا المفيدة ) أي انها تساعدها بلاشك لكن أولوياتها العسكرية ليست بالضرورة نفس اولويات السلطةفي موضوع استرجاع او الدفاع عن بعض المناطق ـ فالقلمون مثلاًأو ريف دمشق لهما أولوية إيرانية على باقي المناطق.


في الوقت عينه تم فتح باب النقاش مع الروس حول سبل المساعدة ( دون الشكوى من موضوع أولويات إيران المختلفة عن أولويات سوريةميدانياً لكنها حاضرة برأس المحاورين) بل تم طرح مساعدة السلطةعلى حماية ركيزة الساحل بالتعاون و التنسيق المباشر مع إيران لأنروسيا لها أيضاً حساباتها مع أميركا و ليست بوارد القفز إلىخطط الطوارئ العسكرية التي لها انعكاساتها المباشرة و الكارثية . ثم تلا هذه الزيارة اجتماعات ثلاثية سورية- روسية-إيرانية تكللتبآخر زيارة للجنرال قاسم سليماني إلى موسكو في ٨ أيلول حيثوضع فيها التصور النهائي لمدى و نوع جرعة المساعدة الروسيةالمطلوبة ، و بالتالي الدخول الروسي الواضح عسكرياً هدفه فيالظاهر "ائتلاف محاربة داعش" لكن بالحقيقة هو أيضاً تثبيتنهائي للخط الأحمر بعدم المساس بمنطقة الساحل السوري لكي لاتؤثر على حالة السلطة في دمشق بالارتداد ، و أيضاً ضربة مباشرةلفكرة المنطقة الأمنة التي تروج لها تركيا و التي قد تستخدملأغراض غير انسانية بعد إنشائها، و بالتفاصيل أكثر يجري الحديث اليوم عن تنسيق عملياتي ثلاثي على الأرض في المنطقةالساحلية سوري- إيراني-روسي ، يتم بموجبه تشكيل " قوةعسكرية" في المنطقة الساحلية توفر لها روسيا المعدات العسكرية الفعالة و الدعم اللوجستي الجوي، و الاستخباراتي المباشر والسريع بحكم التواجد على الأرض و بهذا القرب من مسرح العمليات ( دون انخراط روسي بري مباشر في القتال ) فيما يستعان (كما نشرت تقارير وتحليلات) بعناصر من الفصائلالمسلحة العراقية و اللبنانية تضاف لقوات نظامية يتم إعادة توزيعهامن قوام فرقتين كبيرتين من الجيش السوري لتعزيز هذه المنطقة.


إيران ليست مرتاحة بالكامل لهذا التطور و إن بشكل باطني حتماً ،فهي رعت و شجعت ظهور فصائل مسلحة سورية غير نظاميةتساعد بتمويل معظمها و تدريبها و تسليحها ، وشكلت هذهالفصائل حالة مزعجة ببعض الأحيان لدى ضباط الجيش العربيالسوري الذين شعروا بالانزعاج للتدخل بمسرح عملياتهم و هوانزعاج كلاسيكي و مبرر لهم ، و بالتالي اليوم و مع هذا التدخلالروسي القابل للتطور حصلت المؤسسة العسكرية على جرعة دعمواضحة يرتاح لها أغلب صفوف ضباط المؤسسة العسكرية لأنهميعلمون أن روسيا وإن كان لها مصالح إلا ان ليس لها مطامع ( عندما طلب الرئيس السادات من السوفييت الخروج من مصر ،خرجوا فورا بدون تردد رغم معرفتهم بأن السادات كان يخرجهم ويعيد تموضعه الاستراتيجي برمته). لا أود المبالغة بأية حال فإيرانفقط غير مرتاحة و ليس لديها خيار أفضل.


تتواصل روسيا بالطبع مع أميركا و تضعها بصورة حجم الجرعةالروسية و مداها، و هذا لا ينفي حقيقة ان أميركا لا تثق بنواياروسية لكنها تراقب عن كثب مع حلفائها مدى هذه الجرعة و تنفيذهاعلى الأرض كما شرح بوتين لهم، و من هنا جاءت زيارة نتنياهوإلى موسكو ليستمع مباشرة وبحضور أركان استخباراته العسكريةلمدى الانخراط الروسي و اهدافه. بالطبع اميركا و اسرائيل وببساطة هم على عداء مع السلطة السورية و لكنهم لم يعملوا أبداًعلى انهيار هذه السلطة بل فقط كسرها وتدمير قدراتها . فكما أنإيران تريد سوريا المفيدة، الغرب يريد سوريا المقعدة .


في زحمةالتفاصيل لست من أنصار نظرية المؤامرة لكن لا بد من الإشارة إلىأن روسيا وقعت في عام ٢٠١٣ مع الحكومة السورية اتفاقاً للتنقيبعن النفط و الغاز لمدة ٢٥ سنة قادمة على مراحل في المناطقالساحلية و المياه الاقليمية السورية و هي المنطقة التي ستحميهااليوم.


بالعودة للإخراج الدبلوماسي للتحرك الروسي الأخير، طلبت روسياعقد اجتماع لنقاش الوضع السوري في نيويورك بتاريخ ٣٠ أيلولعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث سيعلنفيه الرئيس بوتين تفاصيل خطته لبناء ائتلاف لمحاربة الإرهاب ويأمل أن يتوج ما سيعلنه ب "بيان رئاسي" صادر عن مجلس الأمنالدولي لكي يحصل على الغطاء والشرعية الدولية نوعاً ما لتحركهالأخير في سوريا بعد ان حصل على شرعية الموافقة القانونية علىتواجده من الحكومة السورية الشرعية، و أيضاً ينوي بذلك أن يقولللغرب انتم تحاربون داعش من الجو و بشكل غير فعال، واناأعرض عليكم أن تحاربوها بالاشتراك مع الجيش السوري والفصائل الموالية له الموجودة على الأرض، و هذا سيوفر للدولالاقليمية ان تحفظ ماء وجهها إن رغبت بأن تكسر فيتو التعامل معالسلطة بحيث تكون بوابة كسر الجليد هي التعاون العسكري حصراً دون سياسة ، وفي الوقت عينه سياسياً هناك كلام عن "وديعة" لدى الرئيس #بوتين تتضمن أقصى ما يمكن ان يقدمه " النظام" بحكم تركيبته من تنازلات بحيث يكون هناك مسار تغييرتدريجي في بنية السلطة و ضمن جدول زمني محدد و ليس مفتوحو بضمان روسي .


الغرب ليس ساذجاً و هو يعي تماماً أن الروسي و الايراني يعملانبخطوات منهجية و مدروسة و من الممكن طبعاً تخريب كل هذهالجهود فسردها هنا لا يعني نجاحها، و بالتالي سيقوم الغرب فينيويورك بالاستماع لبوتين لكن في الوقت عينه سيحاولون تضمينالبيان الرئاسي الأممي بالمواضيع المتعلقة بالانتقال السياسي في سوريا وبيان جنيف كمرجعية لكي لا يقتصر البيان على موضوعمحاربة الارهاب، و بما يكفل بظهور نص نهائي أممي "غيرحاسم" يستطيع كل طرف أن يقرأ فيه ما يناسب روايته لجمهوره. وبذلك يكون الروسي قد نجح في "محاولة" تعويم السلطة دولياً فيماسيشتري الأميركي و الأوروبي القسم الذي يناسبه سياسياً و هوموضوع الانتقال السياسي في سوريا .


بعد كل هذا السرد، و كدبلوماسي سابق أقول أنني بقدر ما عشقتمهنتي في زمن السلم لأنها تخدم الانسان عبر تجنيبه الصراعات الدولية و تثبيت حقوق شعبنا بأرضه المحتلة، اصبحت أكرهها فيتجلياتها الدولية الحالية وأرى أننا اصبحنا كسوريين من كل طرف- دون أي استثناء-أسرى للإرادة الدولية و كواليسها حتى إشعارآخر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم