السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

من "كيم" إلى إيلان !

سلوى أبو شقرا
من "كيم" إلى إيلان !
من "كيم" إلى إيلان !
A+ A-

اعتقَدَ أنَّ البحر سيُداوي ألمه فتركه مجروحاً وتخلَّى عنه، #إيلان ابن الثلاث سنوات قذفته الأمواج مع شقيقه غالب (5 سنوات) ووالدتهما على رمال شاطئ بودروم في #بحر_ايجه. هذه الصورة التي هزَّت #الرأي_العام العربي الذي بات يفقد إنسانيته صامّاً آذانه عن أنين الأوجاع، ومغمضاً عينيه عن رؤية براميل متفجرة تُرمى هنا، وصواريخ ترمى هناك، وبشر يُقتلون بأقسى وأبشع الطرق. هذا الطفل الذي حاول الهرب مع أهله و23 مهاجراً في محاولة يائسة للوصول إلى جزيرة كوس اليونانية بغية الانتقال تالياً إلى كندا بعدما فشلوا اللجوء بأساليب شرعية. هذه الصورة المؤلمة على رغم غياب آثار الدم فيها تختصر مأساة شعب هرب من #الموت ليواجه موتاً في مكان آخر بعدما أقفلت كل السبل في وجهه حتى بات كأن لا مكان له على هذه الأرض.


من "كيم" إلى "إيلان"


صورة إيلان التي انتشرت بسرعة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية والغربية، تأتي كوثيقة دامغة على فظاعة الحروب، أعادتنا بالذاكرة إلى صورة قيل إنها "أنهت حرب #فيتنام"، لطفلة فيتنامية تدعى "كيم فوك" تهرول عارية وتصرخ بعدما أحرقت النيران جسدها بقنابل النابالم المحرمة دولياً. هذه الحرب التي راح ضحيتها مليوناً ومئة ألف قتيل بالإضافة إلى 3 ملايين جريح، وما يربو إلى 13 مليون لاجئ من الفيتناميين، وحوالى 57522 قتيلاً أميركياً تعدَّى تأثيرها أي تأثير آخر لأي صورة، وستظل محفورة في ذاكرة التاريخ كإحدى أبشع الصور في القرن العشرين على رغم مرور أكثر من 40 عاماً على حرب فيتنام.


إيلان بدوره خسر حياته ضريبة #الحرب_السورية التي بدأت عام 2011 بثورة شعبية ضد الرئيس #بشار_الأسد قابلها النظام حينها بقوة مفرطة مستخدمًا قوات الجيش والشرطة والشبيحة التي راحت تقتل المتظاهرين وتعتقلهم وتعذبهم. ومن ثمَّ تحولت إلى صراع مسلح تزايد تدريجيًا بعد تدفق الإرهابيين والمسلحين من الخارج ليمتد في جميع أنحاء البلاد وليتحول تالياً إلى حرب مفتوحة بين عدة أطراف. الخسائر البشرية والمادية لهذه الحرب كانت كبيرة جدًا لدرجة انضمامها لقائمة الحروب الأكثر دموية، آلاف الضحايا في ساحات الحرب، وآلاف المشردين الذين نزحوا أولاً إلى دول الجوار، وانتقلوا إلى أوروبا بطرق غير شرعية بحثاً عن مستقبل بعيداً من الحروب والمآسي والمعاناة، فكان البحر لهم بالمرصاد.


الصورة والذاكرة


ومن صورة نجاة "كيم" من الموت وانتهاء الحرب الفيتنامية، يبرز تساؤل حول إمكانية أن تكون صورة إيلان الشرارة الأولى لانتهاء الحرب السورية؟ يجيب عميد كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة أنَّ "هناك صوراً تدخل في الذاكرة وتكون قوية مجسدةً محطات في أزمات وحروب معينة. صور إيلان فيها براءة طفل، يمثِّل ذروة الحياة والمستقبل مرمي على شاطىء البحر مثل أي شيء بلا قيمة، إنها ذروة العنف، والنقيض التام لطفولة لا ذنب لها. إنها حكماً ستنطبع في الذاكرة مشكلةً صدمة للضمير الإنساني. وعلى رغم فداحة بعض الصور إلاَّ أنَّ الرأي العام ينساها بمجرد غياب التداول بها في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. فقد تمَّ نسيان صورة مدينة #حمص المدمرة الشبيهة بصورة الدمار في الحرب العالمية الثانية، وصور الأطفال الذين كان يتم انتشالهم من تحت الأبنية في الأحياء السكنية في مدينة #حلب وغيرها من المدن السورية، وصورة 71 جثة من السوريين الذين ماتوا في شاحنة بالنمسا، جميع هذه الأحداث توازي عنف صور إيلان ولا تقل أهمية عنها، هذه الصورة التي يمكن أن ننساها أيضاً بعدما يتوقف التداول بها".



صناع القرار وبراءة إيلان


"من المؤكد أنَّ صور إيلان تركت أثراً كبيراً، ولكنها لن تؤثر في القرارات المرتبطة بالعنف الدائر في سوريا وحكماً لن تكون سبباً لانتهاء الحرب" بحسب الدكتور صدقة، "تاريخياً، لم تؤثر الصور في السياسات الدولية، على الرغم من أنها هزت الضمير الإنساني، ولكنها حكماً لا تؤثر في صانعي القرار، ولا ينظرون إليها، ولا يحددون مواقفهم إنطلاقاً منها، بل قد تتحرك المنظمات الإنسانية فقط. حرب فيتنام قامت بتغطيتها تلفزيونات عدَّة حيث تواجد أكثر من ألف مراسل في وقتٍ واحد لنقل الأحداث، واعتبرت إعلامياً من أكثر التغطيات المباشرة التي تمَّ نقل مجرياتها بحرية تامة من الصحافيين، فتراكمت صور الجنود الأميركيين الجرحى والأموات وصور الفيتناميين وهم يحترقون أحياء وتدمر منازلهم، هذا التراكم الطويل للصور إلى جانب الهزائم العسكرية أدى إلى إنهاء الحرب. أما في سوريا اليوم فما من تغطية حقيقية لما يجري في الداخل جراء النزاع بين الأطراف المتصارعين ما لا يسمح للإعلام بتصوير ونقل ما يحصل فعلاً على أرض الواقع. أما في الخارج فينقل الإعلام صورة اللاجئين السوريين الذين يحاولون الفرار إلى #أوروبا ما سيؤثر حتماً في سياسات هذه الدول، إذ بدأ اليمين المتطرف بالتحرك رافضاً قدوم أعداد هائلة إلى بلادهم. اهتمامات الغرب مختلفة لأنهم يفكرون بمستقبلهم كدول، وعلى رغم أهمية هذه الصور إلاَّ أنَّ ما من قدرة لديها على التغيير!".



ستبقى صورة إيلان صرخة في وجه انحطاط الإنسانية، بعدما فقَدَ الإنسان قيمته جراء ازدياد جشع تجار البشر والسلاح وسرقتهم أحلام أناس أملوا بحياة حرَّة.


 


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم