الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

واشنطن لم تعد بحاجة الى عزل طهران.. هل دخل تقسيم العراق حيّز التنفيذ؟

المصدر: النهار
امين قمورية
واشنطن لم تعد بحاجة الى عزل طهران.. هل دخل تقسيم العراق حيّز التنفيذ؟
واشنطن لم تعد بحاجة الى عزل طهران.. هل دخل تقسيم العراق حيّز التنفيذ؟
A+ A-

منذ غزو #العراق عام 2003 والحديث عن تقسيم هذا البلد لم يتوقف، ارتفعت وتيرته عندما حُلّ الجيش الذي كان قادرًا على لحم المكونات العراقية بنار القوة وعندما وضعت بلاد الرافدين على سكة المحاصصة الطائفية. وصار شبه واقع عندما صارت كردستان اقليمًا مستقلا وحكومة مستقلة وجيشا مستقلا وموازنة مستقلة في اطار وحدوي فضفاض، لا بل تعمّق هذا الواقع مع مطالبة السنّة العرب في الأنبار ونينوى وصلاح الدين بإقليم على غرار #كردستان يكون له حرس مستقل وحكومة مستقلة.


لم يبق من العراق الموحد الا الاسم والعلَم غير الجامع والعاصمة غير الجامعة. الفساد وخوف الناس ومعاناتهم وحدها مشتركة بين الجميع، اما الباقي فمفكّك: الجيش، السلطة الاشتراعية، الامن، السياسة الخارجية، الاقتصاد. ماعدا العراقيون العاديون كل القوى المؤثّرة في الداخل والخارج لا تريد عراقًا موحّدا. الاكراد لا يخفون توقهم الى الاستقلال النهائي وإعلان دولتهم الحلم، وعتاة السنّة العرب يرفضون هيمنة الغالبية الشيعية وينشدون عراقهم القديم، أما المتعصبون الشيعة فيصرّون على عراق كبير تحت سيادتهم، واذا لا، فلا مانع من القبول بعراق جنوبي صغير يتمتّع بالوفرة المادية والنفطية. غالبية الجيران تقلقهم بغداد القوية والمركزية ولكل منهم حكاية معها تجعله يفقد الحماس لإعادة قيامها. ذاكرة #الحرب المدمّرة لم تغب عن بال الايرانيين، وصورة الغزو والضمّ لا تزال ماثلة في أذهان الكويتيين، وانقرة ايضا لا تحبذ جارًا قويا، ولولا خشيتها من أكرادها لتصدّرت المتحمسين لتغيير الخرائط.
واشنطن اللاعب الدولي الاكبر: وضعت باحتلالها ما كان يحول دون تغيير الخرائط، وكل اسس #التقسيم لكنها تركت البتّ به مؤجلا بانتظار...؟


ثمة سؤال يطرح الآن: هل سقطت التحفظات الاميركية الاخيرة على العراق الموحد التعدّدي بعد اتفاقها النووي مع #ايران؟ وهل لم يعد ثمة حاجة اميركية لحاجز طبيعي يعزل طهران عن ادوارها الشرق اوسطية بعدما أرست التسوية معها؟


بداية لا تزال الاكثرية الصامتة في العراق ترغب في قيام دولة ديموقراطية عصرية، دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات لا فرق بين كردي وعربي الا بالوطنية والكفاية، وعبّرت الانتفاضة الشعبية الاخيرة ضد الفساد في المدن الجنوبية خصوصا عن هذا التوجه ضمنا. صحيح ان المطالب تركزت على المشكلات الحياتية التي يعانيها المواطنون في ظل تسيّب الدولة وفشلها وفسادها، لكنها كانت في أحد وجوهها تعبيرا عن رفض انهيار الدولة الواحدة، وتحميل القوى الخارجية المهيمنة على قرار الدولة وأدواتها الداخلية، ولا سيما ايران مسؤولية هذا التسيب. لكن "الجمهور الغاضب" في دولة فاشلة وممزقة بين طوائفها ومللها وقبائلها لاتحدّد بالضرورة سيرورة التغيير، لا بل قد يجري ركوب موجة هذه التحركات الشعبية لتوظيفها في سبيل غايات مصلحية وذاتية بعيدة كل البعد عن اهدافها الرئيسية. وهذا ما جرى ويجري في دول عربية عدة.


تغير الموقف الاميركي


وفي الواقع، فان من يقرأ محضر جلسة استماع في الكونغرس الأميركي عن الإستراتيجية في #العراق، التي عقدت يوم 17 حزيران وتناولتها الصحافة الأميركية بالتفاصيل، يدرك ان الخلاصة التي يمكن الخروج بها مفادها إن المسؤولين في الإدارة الأميركية و #البنتاغون فقدوا الأمل بعراق موحّد متعدّد الطائفة والعرق، لا يشعر طرف فيه بالإقصاء أو التهميش، وان على واشنطن أن تتعامل مع ثلاثة كيانات مقبلة، وإن الوجود الأميركي لا بد أن يستمر ويتعزّز ما دام هناك قتال ضد "الدولة الاسلامية".


السؤال الآخر هو كيف يمكن #واشنطن ان تمضي في هذه العملية: عبر الادارة العراقية الحالية ومن خلالها ام انها ستمضي بها منفردة دون إذن من أحد؟
منذ مدّة شرع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في اتخاذ اجراءات قانونية واشتراعية للتخلّص من تركة سلفه المثير للجدل نوري المالكي. ومن هذه الخطوات التعديل الوزاري الذي أعقبه تقرير برلماني يلقي بلائمة المسؤولية عن سقوط مدينة الموصل في ايدي #داعش على المالكي وأبرز قادته العسكريين. ومن ثم إحالة هذا التقرير الى النائب العام ما يعني النية بإدانة رئيس الوزراء السابق جنائيا لإخراجه من الحياة السياسية كليًّا، وتعزيز سلطات رئيس الوزراء الحالي الذي لطالما اشتكى من استمرار سلفه بالهيمنة على مفاصل الدولة.


هذه الخطوة ما كانت لتجري بمعزل عن اصطفافات السياسات الاقليمية في بلد شرّعت ابوابه للخارج وفي مناخ من التحولات السياسية الكبرى بُعيد توقيع الاتفاق النووي. ففي حين كان السنّة العرب في العراق يكيلون الاتهامات للمالكي بأنه أمهر من لعب على الحبلين الاميركي والايراني، وعلى خلافاتهما وتلاقيهما لتعزيز نفوذه في العراق. فان العبادي يتبع اليوم مقاربة جديدة عمادها الرهان اولا، على تبدل جوهري في العلاقات الاميركية الايرانية بعد الاتفاق النووي من شأنه نقل هذه العلاقات من التجاذب والتناحر الذي كان قائما بينهما الى الانسجام، وثانيا، على سقوط فكرة تقديس بقاء العراق موحدًا، لا سيما ان واشنطن بعد تفاهمها مع الايرانيين لم تعد بحاجة الى حاجز في العراق لصدهم. وبحسب قراءات سياسية عدة فإن الايرانيين الذين تخلوا عن المالكي باتوا يتبنّون الرؤية نفسها.


مقاربة جديدة لعبادي


واذا كان سقوط #الموصل في ايدي "الدولة الاسلامية" سقوطًا لنهج المالكي القائم على فكرة المحافظة على العراق موحدا تحت قبضة الشيعة، بعدما رفض الجنود الشيعة فكرة الموت من اجل الدفاع عن مدينة غالبيتها سنّية، في حين لم يكن لدى الجنود السنّة الاستعداد لمحاربة متطرفي "داعش" كرمى لعيون المالكي الذي يتّهمونه بأنه يدير البلاد نيابة عن طهران، فإن العبادي لم يحقّق نجاحات تذكر في هذا المجال اذ سقطت الرمادي بالطريقة المهينة نفسها التي سقطت بها الموصل. لكن رئيس الوزراء الحالي اتبع استراتيجية مغايرة لخصمه تقوم على شقّين يعتمدان كليهما على الفرضيتين نفسهما: التعاون الاميركي الايراني المتوقع واحتمال تغيير خريطة العراق.


فهو من جهة منح غطاء شرعيا لميليشيات الحشد الشعبي الشيعية لمواصلة حربها ضد "داعش" والانشار العسكري في مناطق عراقية عدة على حساب الجيش الوطني، وضمن لها إسنادا جويا اميركيا، وتاليا عزز وجوده في الوسط السياسي والشعبي الشيعي، ومن جهة اخرى لم يبد حماسًا كبيرا في محاربة التنظيم المتطرف، اقتناعا منه ان "الدولة الاسلامية" وجدت لتبقى على المدى المتوسط في اجزاء شاسعة في العراق وسوريا ولغايات سياسية مداها من حجم العراق نفسه، وتخفيفا للكلفة البشرية. وهكذا يكون العبادي ضمن ولاء الشيعة العراقيين ولم يخسر ايران واميركا، وأثبت انه قادر على حكم ما تبقى من العراق الاصلي، في حين تترك الانبار وأجزاء من نينوى وصلاح الدين للمتطرفين، حتى البت بأمر هذه المناطق وسلطتها الفعلية ومن سيتولى شؤونها إن في العراق او في سوريا. كما تترك شؤون كردستان لحكومتها كأمر واقع لا مفر منه. وهكذا فإن الإجراءات الإصلاحية التي اتخذها العبادي وفقد خلالها زعماء سنة كبار مناصبهم يمكن تفسيرها بأنها تصبّ في هذا الاتجاه. وهذا الامر قد لا يثير غضب واشنطن التي كانت تصرّ على إشراك السنّة العرب بقوة في الحكومة المركزية، ولا يثير غضب السنّة العراقيين اذا ما صار تقسيم العراق الى ثلاث مناطق أمرًا واقعًا ومعترفا به بعدما يئس غلاة السنّة من إمكان التعايش مع غلاة الشيعة في حكومة وحدة.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم