الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

احتجزت في غرفتها مدّة 40 عاماً :ما حصل مع زينة لا يقبله عقل

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
احتجزت في غرفتها مدّة 40 عاماً :ما حصل مع زينة لا يقبله عقل
احتجزت في غرفتها مدّة 40 عاماً :ما حصل مع زينة لا يقبله عقل
A+ A-

وكأن الحياة حكرٌ على المتشابهين. الاختلاف يشكّل مصدراً للقلق. هذا في حال كان بدرجات دنيا. لكن، لاختلاف ذوي #الحاجات_الخاصة أو الذين يعانون مشاكل عقلية مزمنة حكاية تفاصيلها مؤلمة. الحالة هنا قد تسبب العار للبعض. غضب الله بالنسبة اليهم السبب في هذه النقمة التي حلّت بهم. لكن الحقيقة مغايرة لهذه الأقاويل والاعتقادات. الانسان... انسان.


طفولة لم تذوّبها السنون
ذنبها الوحيد انها ولدت في عائلة ترفض #الاختلاف وتخاف "الشماتة". كأي طفلٍ حُرم حقّه في التعلم والمعرفة، حرمت زينة، التي تعاني تخلّفاً عقلياً منذ ولادتها، الدخول الى مدرسة ذوي الحاجات الخاصة. تسجن في منزل ذويها كدمية في عليّة. ممنوع عليها مقابلة الزائرين، سوى في حالاتٍ استثنائية. تعيش في عالمٍ خاص، لا وجود فيه للعاطفة. الوالدة تسخر من طريقة تفاعل ابنتها. والاقارب ينعتون الام بالمجنونة كابنتها. لم يبقَ في القصة من تفاصيل جميلة سوى المخيلة، التي يسرح بها عقل زينة مع الف امنية.



يروي أحد الجيران الاحداث اليومية للعائلة: "منذ ولادتها شكلت صدمة للاهل الذين رفضوا حالتها وتعاملوا معها بسلبية. لا تزال حتى اليوم تعيش في غرفة معزولة عن #العالم_الخارجي، الا عند زيارة الاطفال للمنزل، حيث تدعوها الام للانضمام اليهم ومشاركتهم في #اللعب رغم تقدمها في العمر. والدتها سبعينية، الاحظ عليها دائماً انها لا زالت متأثرة بحالة ابنتها فهي لا تكف عن #الاستهزاء بقدراتها واستعمال العكاز لضربها. ويشير الى ان "المشكلة الاساسية تكمن في عدم قدرة الاقرباء على اقناع الام بضرورة اللجوء الى مدرسة تأهيلية، وهم بكل صراحة ينتظرون موتها كي يستطيعوا ايجاد حل جذري للفتاة، رغم عدم اعتقادي انها تستطيع التكيف في مدرسة بعد اعتيادها نمط عيش انطوائي".


زيارة منزل زينة تشوبه تساؤلات عديدة. كيف ستتعامل #الام مع طلب مقابلة ابنتها؟ وكيف ستعبّر الأخيرة عما يعتريها من مخاوف؟ تؤكّد لميا والدة زينة "ان ابنتي (عقلها صغير) وهي منذ ولادتها لم تفكّر في #الدراسة او #الزواج بل كانت تفضّل اللعب مع الاولاد حتى بعد تخطيها عامها الخامس والعشرين. لا اعلم لماذا لم تنضج، ولا تزال حتى اليوم تطلب النزول الى الشارع للعب مع ابناء الجيران، لكنني لا اسمح لها خوفاً عليها من ابناء السوء".


حديث الام يظهر مدى الانحدار في مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي وعدم اقتناعها بفكرة ان ابنتها تحتاج إلى رعاية خاصة. تصريح زينة كان اكثر منطقية بالنسبة الى حالتها: "اقضي يومي في الغرفة، حيث اشعر بالضجر واتمنى قدوم الاطفال مع آبائهم الينا كي استطيع اللعب والمرح". وتصرّ على ان اثمن امنية على قلبها هي "زيارة بابا نويل واحضار #الهدايا والدمى الي كي اقضي وقتاً ممتعاً واتعرف عليه شخصياً". السؤال عن عمرها يدخلها في حيرة فتقول: "ابلغ من العمر ثلاث سنوات او اكثر لا اعرف، لكنني احب وضع (الماكياج) و(الحمرة) وامي في غالب الاحيان لا تسمح لي بذلك".


"حكم الاعدام"
يؤكّد مدير المركز اللبناني للأبحاث المجتمعية، الدكتور عبدو قاعي "على الدور السلبي الذي تلعبه العقلية اللبنانية التقليدية في عدم تقبّل #انجاب الاولاد ذوي الحاجات الخاصة، او الذين يعانون مشاكل صحيّة وعقلية مزمنة. فيعيش الاهل هنا في حال تمزّق تتأرجح بين رغبتهم في تقبلهم لأطفالهم وتقديم الحنان والرعاية المثالية لهم، وبين الخضوع للحالة #الاجتماعية الرافضة تقبّل هؤلاء الناس ومعاملتهم على اساس المساواة". ويضيف: "النتيجة الحتمية لهذا الصراع تأتي دائماً لصالح نظرة المجتمع الخاطئة، فالأهل في النهاية يتبعون التقليد على حساب تقبّلهم للحالة الذاتية، وهذا ما يسمى بالاكرومات الاجتماعية".
ويشدّد "على التأثير القاتم الذي تسبّبه عمليات نبذ الاهل لاطفالهم، فهذا سيؤدي حتماً الى #قتلهم وتقوقعهم والحكم عليهم بالاعدام لأنهم رغم حالتهم الخاصة، سيشعرون حتماً بالقمع وان لا وجود فعال لهم في هذه الحياة".



التقليديون يشكلون 93%
يلفت الدكتور قاعي الى ان "التربية غير الصالحة هي أساس كل علّة. فإن الحالة التقليدية الرجعية تشكّل 93% من المجتمع اللبناني حيث يمكن وصف هذا النموذج بالقمعي وارتباطه بالترسبات والذهنيات القديمة، في حين تشكّل نسبة الحالة المدنية 7% وحسب. يجب التعقيب هنا على دور #المدارس و#الجامعات السلبي حيث تركّز المناهج التربوية على الشق العلمي الذي يخدم الحياة المهنية من دون التطرق الى الناحية الانسانية. وهذا يتناقض مع مبادئ وتعاليم الديانات السماوية التي شدّدت على المساواة والعدالة".
ويشير الى ان "الاولوية يجب ان تكون دائماً لتقبل الحالة الانسانية كما هي، والغاء فكرة التشابه التي تقول ان على الجميع ان يكونوا مثلنا. بل يتوجب على العائلات ان تتقبل هذه الحالات وان تعطيها الوقت للتكيّف والتعبير عن نفسها من خلال ارسالها الى المدارس المتخصّصة. فالحل الوحيد يكمن في المدنية التي تتقبل الانسان كما هو. وهذا ما يفتح تساؤلاً مهماً عن مستقبل المجتمعات الشرقية إنسانياً، هي الضائعة في زواريب ضيقة".
الحقيقة تكمن دائماً في التفاصيل. زينة تحتاج الى منقذ. الأم بحاجة ايضاً الى مساعدٍ من نوع آخر. الإنسانية تشكو هي الأخرى من النظرة المجتمعية التقليدية الجائرة. على زينة أن تجد الامان في مكانٍ يخوّلها ؟أن تلهو وتقابل #بابا_نويل في كل سنة. وعلى والدتها ان تقتنع أن ابنتها ولدت كي تحقق حلماً واحداً في حياتها لا اكثر: "ان تموت طفلة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم