الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هو الحراك الثالث... فهل سينجو؟

جمال القرى- طبيبة
هو الحراك الثالث... فهل سينجو؟
هو الحراك الثالث... فهل سينجو؟
A+ A-

أثبتت تظاهرة يوم السب 29 آب، أن المشاركين في الحراك ينتمون الى فئاتٍ مختلفة ومتباينة سياسياً، ومتقاربة اجتماعياً. ممّا يمكّن القول بأن هذا #الحراك حتى الآن هو حراك نخبوي عابرٌ للطوائف، ومتخطٍّ للإنقسامات العمودية- السياسية- الطائفية القابضة على الحياة السياسية في لبنان، بانتظار تبلّوره أكثر مع مرور الأيام تبعاً لموقف السلطة وكل أفرقائها منه، وتبعاً للملتحقين به من أحزاب ومجموعات وحركات من مشارب سياسية لها رؤيتها وخبرتها وتاريخها في النضال ضد النظام شكلاً ومضموناً، والتي يمكنها إمّا حرفه عن لحظة وشعارات قيامه بإتجاه فضفاضٍ أكثر، وهو ما سيُفقده رونقه وجدّيته وحداثته، ويجعله نسخة عن تظاهرات سابقة لم تحقّق أهدافها.


ففي حين قام حراك إسقاط النظام الطائفي بالأساس على يد فئاتٍ شبابية ومن دون قيادة مركزية، وفشل بعد أن خرقته قوى السلطة، فقد قام حراك هيئة التنسيق النقابية على يد أساتذة وموظفين في القطاعين العام والخاص وبقيادةٍ متمرسّة بالعمل السياسي، وفشل بعد أن خرقته السلطة أيضاً (مؤتمر الأونيسكو الداعم).


ففي الحالتين، انتصرت #السلطة ليس لقوتها فقط، بل لوجود نقاط ضعفٍ في كلا الحراكين لم يتم تلافيها. المشترك في الحراكين كان في تكبير الشعارات وتوسّعها، كما كان في اعتماد أدوات منهج العمل السياسي المعارض التقليدي. فالعمل السياسي اللبناني مرتبط منذ تاريخ نشوء لبنان، بل الى ما قبله،بعلاقة مع الخارج هي علاقة بنيوية، تنتهجها السلطة الحاكمة،كما المعارضات الحزبية أو الأهلية و#الطائفية، ممّا يعطي الأهمية الأولى للسياسات المرتبطة بتلك الدول وباستراتيجياتها وبمصالحها على حساب السياسة الداخلية والبنى الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية وصولاً للبنى التحتية الضرورية للحياة من شبكة مجارير، #كهرباء، مياه، بناء الخ... إن الخروج من هذا الواقع ومحاولة توجيه السياسة الى الفعل الداخلي، ليس بالأمر السهل، إذ يحتاج الى إعادة نظر بكل المنظومة الفكرية التي تحكم كل أنواع المعارضات، وبسبل المواجهة، كما بالقوى ذات المصلحة بالمواجهة والتغيير.


في الحراك الأخير، تبدو الصورة مختلفة. فمطلقوه من ناشطين لجزء منهم تاريخ في العمل السياسي، وجزء آخر مختصّ في العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية حاولوا بحراكهم تصويب مفهوم العمل السياسي، ونقله الى ميدان الداخل اللبناني، بمعنى آخر، حاولوا تحديث مفهوم السياسة على مستوى السلطة والمعارضة. وصدف أن يكون ملف النفايات هو البداية لذلك، حيث طرحته حملة طلعت ريحتكم كشعارٍ أساسي وحيد، حددّت أسبابه وسبل معالجته بطريقة حديثة غير مكلفة قام بدراستها أخصائيّون وتقنيون مشاركون بالحملة، قبل أن ترتبك وتخلط الشعارات ببعضها تحت تأثير وهلة اتسّاع الشارع التي لم تستطع إدارته منفردة. وبما أن هذا الملف هو ملفٌ حياتي صحيّ وبيئي، فقد تداعت مجموعات ناشطة، وتشكّلت أخرى لرفد الحراك وتصويب مساره لكي يصل الملف الى الحل النهائي، وهي كلها توّاقة الى إحداث تغيير ما ينهي جمود الحياة السياسية المنقسمة عموديا بين 8 و14 آذار اللتين أماتتا كل عملٍ سياسي.


بدت السلطة التي حاولت دون نجاحٍ إيقاف الحراك بعد تراجعها في مواقف عدة مرعوبة ومربكة. ولكنها تمتلك من الأدوات والخيارات التي تمكّنها من إضعافه من خارجه ومن داخله. فمن خارجه، التقى كل فريق في السلطة- وهم كلهم متضررّون من الحراك- على شنّ حملات منظّمة (كل من خلفيته وموقعه)، على شباب الحراك تتهمهم فيها بالعمالة للامبريالية ولإسرائيلوبإدخالهم لبنان في موجة ما سُمّي بالربيع العربي وبتمويل مشبوه تارةً، وتارةً أخرى بتنفيذهم أجندة إيران وحزب الله لتسليمهما البلد، وطوراً بنبش كتابات قديمة لبعضهم يعتبرونها مسيئة لفريق منهم، والحبل عالجرّار...هذا إذا لم نتطرّق الى العنف الممارس ضدهم وضد المعتصمين من قبل أدواتها الأمنية.


أمّا من داخله، فإضعافه يستوجب تشتيته أولاً بتشتيت شعاراته وأولوياتها وبتضاربها لتصيب فريقاً دون آخر، كما بضربالمجموعات المشاركة فيه عبر تأجيج الصراعات فيما بينهم في محاولة لإحتواء الحراك لاحقاً وقيادته، وتفريغه من هدفه الأساسي الذي هو فتح ملفات الفساد واحداً تلو الآخر،ومحاسبة المسؤولين عنه وهم المنتمون لكل أفرقاء السلطة. وهذا ليس بالأمر الصعب، فهناك قوى معارضة عديدة تنضمّ للحراك بشعاراتها وبأدواتها السياسية القديمة التي فشلت سابقاً، وما قدّمت نقداً أوتصويباً لهذا الفشل، أو مراجعة للأولويات السياسية وضرورة فصلها عن الخارج، وهي تفرض نفسها من خلال زجّها لرموزٍ فيها كناطقين بإسم الحراك ومصوّبين له باعتبار الخبرة التي يمتلكونها وتغيب عن البقية المشاركة، والإيهام بأنها هي مُطلقته، بمساعدة من إعلام مرئي ومكتوب، كما أن هناك قوى ترهن استمرارها بشروطٍ وجود شعارات تدين فريق دون آخر. وما لم يتدارك كل من هو معنيّ بالتغيير الفعلي محاولات السلطة تلك، فستضيع فرصة اختراق الجدار هذه المرّة أيضاً.


أمام كل هؤلاء إن صفيت النية، مهمة تجنيب الحراك الفشل، وذلك بالإلتفاف حوله من تحت سقفه، أي من تحت سقف فتح الملفات الداخلية والمطالبة بمحاسبة الجميع دون أي استثناءات، ودون أي اعتبار لمصالح الخارج، كما الأمل بتوسيع هامش المشاركة لتضمّ كل فئات الشباب التي تُنشد التغيير والجاهزة لأن تعيد نظرتها بالأمور خارج إطار الإيديولوجيات واليقينيات، والشباب الجاهز لخرق جدران الطائفيات السياسية وهو المتضرّرالأكبر من سياسات 8 و14 آذار، ليكون ذلك بداية فعلية جديدة لمستقبلٍ جديد يشبههم ويليق بهم. لأنه عدا ذلك، فالسلطة جاهزة دوماً للإنقضاض على أصغر مطلب شعبي، فأفرقاؤها هم أحسن من يُعرّفون عن أنفسهم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم