الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لو وجد التخطيط

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

أزمة النفايات واجهت اللبنانيين ببرهان فاقع على عجز الحكومة عن تدارك الازمات المستفحلة دون علاج، والامر الذي دفع المواطنين الى اطلاق حملات احتجاج منها "طلعت ريحتكم" و"بدنا نحاسب" ان النفايات تتراكم يومياً في وجوههم وتتسبب أحياناً باقفال طرق ومفارق رئيسية.


هذه الأزمة ليست الوحيدة، فهنالك أزمة الكهرباء التي وعدنا بأنها ستحل بحلول سنة 2015 وقد استمرت مع تردّ ملحوظ حتى تاريخه، وهي تتآكل موارد المواطنين عبر اشتراكات بمولدات خاصة قلما توفر الكميات المتعاقد عليها. ويمكن القول ان ثمة 500 الف مشترك ما بين العائلات والمؤسسات التجارية والدراسية والمستشفيات الخ يواجهون اشتراكات بمعدل لا يقل عن 200 دولار شهريا، الامر الذي يعني ان ثمة انفاقاً اجبارياً على العائلات والمؤسسات على اختلاف انواعها يساوي مئة مليون دولار شهريا أو 1,2 مليار دولار سنويا، ومع كل ذلك وباستثناء المستشفيات لا يتأمن التيار للعائلات والمؤسسات الاخرى 24/24 ساعة يوميا.
تضاف الى هذا الانفاق الاجباري الناتج من العجز عن تلافي ازمة الكهرباء، تكاليف اصلاح المعدات الكهربائية، سواء البرادات أو المصاعد أو الغسالات وشبكات الانارة الداخلية الخ، ولا تقل هذه عن 250 دولاراً سنوياً للمنازل والمؤسسات الـ500 ألف، فتكون الكلفة الاجمالية لتقطع الكهرباء 125 مليون دولار تضاف الى 1,2 مليار دولار المشار اليها اعلاه. وهكذا يتحمل اللبنانيون 1,35 مليار دولار من الاعباء كان في الامكان لو توافرت الكهرباء من مولدات رئيسية تعتمد الغاز، تحصل ما يساوي 2000 دولار سنويا لكل عائلة من الـ600 الف عائلة التي يتألف من اعضائها مواطنو هذا البلد التعيس.
ازمة الكهرباء لم تدفع الناس الى الشوارع لان الامدادات الموازية، على رغم كلفتها، فرضت على من يتحملها السكوت على مضض، لكن مفاعيل هذه الازمة ونتائجها الاقتصادية أفدح وأوسع ضرراً من ازمة النفايات.
تشكلت حكومة "الوحدة الوطنية" كما شاءها الرئيس تمام سلام قبل 13 شهراً، لكنها منذ تشكيلها لم تنظر الى ازمة النفايات، علما بان المطالبة باقفال مطمر الناعمة كانت واضحة وملحة، وكذلك عدم رغبة ميسرة سكر في تمديد عقد شركة "سوكلين" لتجميع النفايات ومعالجتها. فهو يشكو من تأخر تسديد المدفوعات المستحقة منذ سنة ونصف سنة، وحاز في هذه الفترة عقود معالجة النفايات في مدينتي الرباط والدار البيضاء، كما تملك الحصة الكبرى في الشركة التي تعالج النفايات في جنوب افريقيا اضافة الى ايرلندا وبلدان عدة أخرى.
في المقابل، كانت ثمة بلديات تعمل على تأمين الكهرباء والمياه ومعالجة النفايات في قرى وبلدات، منها على سبيل المثال قرية غلبون التي يرأس بلديتها المهندس ايلي جبرايل، وبلدة ضهور الشوير التي كان يرأس بلديتها وأمن خدماتها الوزير الياس بو صعب، وبلدية مرجعيون التي تعج بالسكان وسط الجنوب الذي يعتبر محروما والتي أمن لها الخدمات الحضارية رئيس بلديتها أمل حوراني، وكانت بلدية بيروت تقوم بعملية تجميع النفايات ومعالجتها حتى اوائل التسعينات، ولدى البلدية اليوم اموال ملحوظة لا تقل عن 1,4 مليار دولار.
يفرض السؤال نفسه على كل انسان عاقل، وليس فقط الوزراء، لماذا لم يقرر مجلس الوزراء اطلاق مناقصات منذ سنة، تفرض شروطها على من يحوزها انجاز الاعمال التحضيرية لتسلم المهمة بعد انتهاء عقد "سوكلين".
هل كان وزير البيئة، الذي يفترض ان ينبه المجلس الى كل المطبات البيئية على الارض بالنسبة الى النفايات والمياه ومشاريع الصرف الصحي، كما ضرورة الحفاظ على نظافة مياه البحر حرصاً على صحة اللبنانيين وعلى ادتذاب لبنان الزوار والسياح، غائبا عن الصورة؟
ووزير الداخلية، الذي حقق نجاحات على الصعيد الامني، وهو المسؤول الاول عن حقوق البلديات ونشاطاتها، وقد حقق الى حد ما تفاعلاً ايجابيا بين رئيس بلديتها ومحافظها الجديد المتمتع بالنيات الحسنة والتوجهات الحضارية، هل كان غائباً عن امكان تفعيل عمل البلدية، وبصورة مسبقة منذ سنة بالنسبة الى موضوع النفايات، خصوصا ان لدى البلدية الموارد المالية وفي وسعها تأمين المساحات اللازمة للفرز والمعالجة اذا اعطيت فرصة للتخطيط بدل مواجهتها بالازمة الحالية؟
حان وقت المصارحة. الحكومة مسؤولة عن تأخير موضوع معالجة النفايات، والحكومة مسؤولة عن تردي توافر الكهرباء وابتزاز اصحاب المولدات للعائلات والمؤسسات، والحكومة مسؤولة عن تأخير بت قروض انمائية قد نخسرها نتيجة التأخير في اتخاذ القرارات في شأنها، والحكومة مسؤولة عن تأخير بت مشاريع المراسيم التنظيمية التي تسمح بالتعاقد على استكشاف مكامن النفط والغاز في المياه اللبنانية، وتأخير السنتين حتى تاريخه بالنسبة الى هذا الموضوع قد يكون ضيع على لبنان فرصة استقطاب شركات جدية للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط. وقد ذكرنا سابقاً ان المكسيك التي هي بلد نفطي منذ الثلاثينات والتي كانت تحصر العقود بالشركة الوطنية، شاءت ان تفسح في مجال انجاز عقود لاستكشاف مكامن النفط والغاز في المياه الاقليمية بعد 70 سنة من حظر عقود كهذه الا مع الشركة الوطنية، لكنها لم تستقطب سوى شركتين، احداهما الشركة الوطنية.
الحلم اللبناني بالتجهيز والانجاز طمرته أطنان النفايات والالتزام الوطني للدولة وقياداتها كاد ان يتبخر، والخلافات تدور حول التعيينات واكثريات التصويت ولا التفات الى صحة اللبنانيين، وحفظ مواردهم، وتطوير مستقبلهم.
حقا اطاحة الحكومة أمر خطير في الوضع الذي نحن فيه والاخطر منه العجز عن احراز تقدم على مستويات الانجاز المجتمعي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم