السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

توم كروز في "مهمة مستحيلة 5": الرجل المناسب في القفزة المناسبة

المصدر: "النهار"
توم كروز في "مهمة مستحيلة 5": الرجل المناسب في القفزة المناسبة
توم كروز في "مهمة مستحيلة 5": الرجل المناسب في القفزة المناسبة
A+ A-

لنقلْها بلا لفّ أو دوران: "مهمّة مستحيلة" في جزئه الخامس واحد من "ألذ" أفلام هذا الصيف الحار. قد لا يوحي فيلمٌ يحظى بانتشار واسع بلغت تكلفته مئة وخمسين مليون دولار بالثقة المطلقة، أقله عند السينيفيليين، بيد ان المعجزات ممكنة في هوليوود، عندما يحصل التواطؤ المطلوب بين الاخراج والسيناريو والتمثيل، وهذا كله تباركه الرغبة الأصيلة في القضاء على الرديء والسطحي والمفتعل. هذا لا يعني اننا أمام تحفة سينمائية، بل أمام محاولة للنهوض بسلسلة أطلقها على الشاشة الكبيرة براين دو بالما، في مطلع التسعينات.




لكن السلسلة انحرفت عن طريقها وهدفها والرؤية التي كانت قائمة عليها في الستينات، عندما كانت لا تزال في اطار التلفزيون، مع مخرجين من ضفاف مختلفة. بلا أي ادعاء سوى تقديم ترفيه عالي الجودة، يحملنا المخرج كريستوفر ماك كاري الى سينما رشيقة تدرك سبب وجودها، ولا تجهل مداها وحجمها، مثلما يدرك صنّاعها أهمية تضافر الجهود للابتعاد عن مفهوم معين للسينما الهوليوودية، تلك التي لا نكهة لها ولا لون.


الحكاية تُلَخَّص ببضعة سطور: فريق "أي ام أف" يُحَلّ، فيجد وايثان هانت (توم كروز) نفسه معزولاً. ولكن، يجب على باقي أعضاء الفريق مواجهة شبكة من العملاء المتمرسين الذين يعملون لحساب ما يُعرف بالنقابة. هذا التنظيم ينوي فرض منظومة عالمية جديدة من خلال تنفيذ مجموعة عمليات ارهابية في انحاء العالم. في غمرة هذا كله، على هانت وفريقه القضاء على النقابة بمساعدة آنسة تدعى فاوست (ريبيكا فرغوسون)، علاقتها بالنقابة ملتبسة بل غير واضحة. بين هذا الطرف وذاك، يقف رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية (أليك بالدوين)، الواثق كلياً من حلّ الأمور كافة نظرياً، والفاشل تماماً عندما ينتقل الى الميدان.



ككل فيلم جيد الصنع، يذعن MI5 لمفهوم الجانر الذي ينتمي اليه، مبتعداً عنه لبعض التحديث والسخرية والخفة، ومقترباً منه لضبط الوتيرة التي تحبس الأنفاس وتتيح الانسجام مع ثوابت الفيلم التجسسي. يتجلى الأهم في كونه لا ينطوي على الكثير من الجدية كي يقع في عكسه. دقيق اخراجياً، مفاجئ تأليفياً ومبهر تصويراً (التقاط مَشاهد لروبرت ألسويت)، خطوة ماك كاري شبيهة بما فعله براين دو بالما بالمسلسل الشهير، يوم تولى اخراج الجزء الاول قبل عشرين عاماً، ونتج منه آنذاك مشهدان باهران على الأقل: 1 ــ توم كروز على سطح قطار؛ 2 ــ توم كروز معلق بحبل لتنفيذ عملية معينة في مكان حساس. دو بالما كان جاء بكل هواجسه وتيماتيكيته. ماك كاري ليس بتلك الحرية هنا، لكن رؤيته ديناميكية غير مفلسة للفيلم الايقاعي، حيث العلاقة بين الشخصيات على قدر من الالتباس.



الحركة المستمرة المتواصلة والتوتر الممسوك غير المعرّض للهبوط، يضمنان فيلماً داخل الفيلم وكادرات داخل الكادرات. هذا كله مسنود بسيناريو يوزّع البطولات جماعياً. يصل هذان النهج والمنطق الى ذروتهما في مشهد الاوبرا، المبني بناءً جهنمياً، وربما كان تحية عفوية الى "الرجل الذي كان يعرف كثيراً" لهيتشكوك. ثمة مشاهد خطرة أنجزها توم كروز بنفسه، كروز الذي يبقى ذا حضور جسماني قوي كالعادة. أنجزها على الطريقة القديمة، فأضفى احساساً بالمكان يغيب في الكثير من الأفلام. الشعور هذا مدعومٌ بنصّ يحرص على المتعة السينمائية بلا هروب من القلق الوجودي لايثان هانت، ومشبع بلازمة لالو شيفرين الموسيقية التي تهبّ كنسمة من الستينات.



بالتأكيد، تورّط توم كروز جسداً وعقلاً وانتاجاً في هذا المشروع وهذه السلسلة لا يمكن ان تكون مسوغاتها محض فنية. فمَن ينفق بضعة دولارات، يربي في داخله ميلاً تلصصياً لمشاهدة ممثل من الصفّ الأول يربط حبل الاثارة بنفسه، ولا يكتفي بالجلوس على كرسيه ليخضع لعملية تصفيف شعر بين لقطتين. كلّ مجد كروز يتأتى من قدرته على توظيف جسمانيته في فضاء الشاشة المتاح للنظر. انها ديناميكية خاصة به، وقلة قليلة تزاحمه في هذا المجال. ورغم بلوغه الثالثة والخمسين، لا يزال الرجل المناسب في القفزة المناسبة. هنا، يستوقفنا مشهد مطاردة بالدراجة النارية على طرق المغرب السريعة. قبل ركوب الدراجة، يظهر بعض الارتباك على وجه الممثل. ربما يعتقد ان مشهداً كهذا قد يستغني عنه، ويكتفي بذاته ليكون. فرضية لا تحتاج الى أكثر من ثوانٍ ليتم احباطها. بيد ان فيلم كريستوفر ماك كاري على قدر من الذكاء، كي يقتنص تلك اللحظات "الهاربة" من نصّ تمت صياغته بدقة وإتقان.


 


[[video source=youtube id=EIsauUFIguE]]


 


(*) Mission: Impossible 5 ــ يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم