الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فؤاد شهاب قُدوة أما رئاسته فنصف نجاح

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

اثنا عشر رئيساً للجمهورية "انتُخبوا" منذ الاستقلال. لكن عشرة منهم "حكموا" لأن الاغتيال كان مصير اثنين. من العشرة ثلاثة أتوا من قيادة الجيش ولكن بالانتخاب في مجلس النواب، وكالعادة طبعاً بعد تزكية ناخبين كبار غير لبنانيين. وأضفى ذلك على وصولهم الى هذا الموقع صبغة ديموقراطية. لكنها بقيت شكلية بعد اتفاق الطائف الذي منع الانتقال مباشرة من قيادة اليرزة الى رئاسة بعبدا.
أول الرؤساء العسكريين وأنجحهم كان مؤسس الجيش اللبناني وقائده الأمير اللواء فؤاد شهاب. فبحكم تجربته العسكرية الطويلة فهم الواقع اللبناني المتنوع حتى الانقسام، وأدرك أن وحدته تحفظ وحدة الوطن. انطلاقاً من ذلك لم يتدخّل في "أحداث" العام 1958، التي تحوّلت من صراع سياسي بين الحكم والمعارضة في حينه على السياسة الخارجية للبنان وعلى التجديد للرئيس كميل شمعون الى صراع طائفي بين المسيحيين والمسلمين. وكان لموقفه هذا صدى استحسان عربياً ودولياً أوصله الى رئاسة الجمهورية رغم أن هذا المنصب لم يكن السبب الأساسي للموقف.
في الرئاسة حقّق شهاب نجاحاً لافتاً على صعيد الأمن، وعلى صعيد بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وانفتح على مكوّنات الشعب اللبناني مستعيناً للنجاح في ذلك بالمناخ العربي المصري المؤيد والجو الأميركي الداعم. لكن نجاحه كان يمكن أن يكون كاملاً، وأن يجنِّب البلاد وشعبها الانقسام والفتن والحروب وتدخلات الخارج والفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي ثم الأمني. وذلك بدأ عام 1969 بعد مغادرته الرئاسة بخمس سنوات. اذ كان عليه أن ينطلق من معرفته واقع لبنان، وأن يوظِّف الى أقصى حد الدعم المصري الذي جيّر له مسلمي لبنان، ولا أقصد بذلك الذمّ بهم، والدعم الأميركي القادر على معالجة عدم رضى مسيحييه، وأن يبتدع مع المثقفين والشباب الذين أحاط نفسه بهم صيغة وطنية متوازنة ثابتة تلغي الخوف والغبن والحرمان من نفوس هؤلاء وأولئك، وتلغي حاجتهم الى الاستعانة بالخارج تحصيلاً لحقوق، وتقفل في وجهه أبواب التدخُّل في لبنان تنفيذاً لـ"أجندات" لا مصلحة للبنان ووحدته فيها. لكنه لم يفعل. وكان عليه أن يعرف أن مؤسسات الدولة الحديثة التي بناها لا تصمد في غياب وحدة وطنية أساسها صيغة لبنانية لا مسيحية ولا مسلمة. وكان عليه أن يعرف أيضاً أن زهده ونزاهته واكتفاءه بعبادة رب واحد هو الله لا ربّين (الثاني هو المال)، واحتقاره للفساد والمفسدين وخصوصاً عند السياسيين الذين سمّاهم "أكلة الجبنة" لا يكفي للقضاء على الفساد وملحقاته. فهو كان قدوة في الرفعة والاستقامة والابتعاد عن الشهوات. لكنه نظر من عليائه الى هؤلاء واكتفى باحتقارهم. ولعل أكثر ما آلمه هو أن من شملهم هذا الشعور لم يكونوا فقط من المعارضين له. وكان على الرئيس شهاب أن يعرف ثالثاً وهو الذي خَبِرَ السلطة ومارسها في الجيش ثم في الحكم أنها "أمّارة بالسوء"، وأن ينتبه الى الممارسات السياسية في الأجهزة الأمنية التي تسلّمها "أبناؤه" المحبّون فعلاً له وأن يتصرّف. لكنه في النهاية انسان. دفع عدم التصرّف الناس الى النقمة والسياسيين الى استغلالها فوصلوا الى السلطة بـ"الديموقراطية". لكنهم بدلاً من أن يصححوا الأخطاء ضربوا الجيش ثم المؤسسات المدنية التي هي أساس الدولة الحديثة، فتحوّلت المواقع الادارية والرسمية المتنوعة حصصاً للأزلام والمحاسيب.
طبعاً اعترف الرئيس شهاب في بيان "الاعتذار" الشهير عن الترشُّح للرئاسة بعجزه عن مواجهة الأخطار التي تتهدّد لبنان من داخل ومن خارج. وكان مُحقّاً. لكن السؤال الذي ليس له جواب جازم هو: لو قام هو ببناء الصيغة الوطنية في أثناء رئاسته هل كان جنَّب البلاد تكريس الانقسام الطائفي، ثم حرباً أهلية لم يقم لبنان منها رغم انتهائها قبل نحو 25 سنة؟
ربما يعتقد عدد من قرّاء هذا الكلام أنني معادٍ لأول عسكري حكم لبنان وجوابي هو كلا. فهو أفضل وبكل المقاييس من الذين خلفوه في قيادة المؤسسة العسكرية. وهو أفضل من الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية لأنه كان قدوة. والوحيد من هؤلاء الذي يشبهه بعض الشيء كان الرئيس الياس سركيس الذي لو كانت ظروفه الداخلية والخارجية أحسن لربما أنجز الكثير.
ماذا عن الرئيسين العسكريين الآخريْن، وعن رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية الذي حاول ممارسة الرئاسة؟ وهل الحكم العسكري في لبنان ممكن؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم