الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما حقيقة ما فعله عناصر "حزب الله" في مليخ ؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
ما حقيقة ما فعله عناصر "حزب الله" في مليخ ؟
ما حقيقة ما فعله عناصر "حزب الله" في مليخ ؟
A+ A-

منذ سنين قليلة وحتى اليوم، نجح "حزب الله" في الارتقاء بجمهوره أو ربّما مغازلة حلفائه المسيحيين، نجح في إرساء معادلة احترام الآخر المختلف، فكنّا وما زلنا نشهد أشجار عيد الميلاد تزيّن الضاحية في عيد مولد يسوع المسيح، ولافتات "المسيح قام، حقاً قام"، تملأ الشوارع نفسها في عيد الفصح، تلك القيامة التي لا تعترف بها الطوائف الإسلاميّة ولا تشهد عليها. لقد نجح "حزب الله" في عكس صورة راقية عنه، بعدما وقف عناصره يؤدون التحية لتماثيل السيّدة العذراء في المناطق المسيحيّة المحرّرة من الإرهابيين في سوريا.


صورة سعى الحزب سنين لبنائها، فكسر حواجز الخوف تجاهه وانفتح على الآخرين. لكنها حواجز قد يُعاد تشييدها بفعل نشوة بعض من محبيه بفائض القوة الذي أوجده بعد انتصارات عدّة من جهة، وممارسات متطرّفة لبعض آخر تلغي المختلف وتعتدي على خصوصياته من جهة ثانية، فما حصل ليلة عيد "مار الياس" في مليخ الجنوبيّة مثال. في تلك الليلة، دخلت مجموعة من الشباب المؤيّد لحزب الله إلى ساحة كنيسة "مار الياس" في البلدة، وعطّلت الاحتفال الديني السنوي. دفعت المجموعة الأهالي إلى إنهاء شعائرهم، باعتبار أن احتساء المشروبات وسماع الموسيقى يتنافيان مع الثقافة الإسلاميّة.


تصرّفٌ لا يُعتبر عادياً، ولم يمرّ عابراً لدى كثيرين خصوصاً الخائفين على الوجود، فمنذ أكثر من سنة مُنع المسيحيون من وضع شجرة الميلاد في صيدا، كما منعوا من المجاهرة بالأكل خلال شهر رمضان في طرابلس، وها هم اليوم يُمنعون من الاحتفال بذكرى أحد قديسيهم، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن الدستور المُغتصب الذي يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينيّة، وعن الدولة التي فوّضت مسؤوليّاتها وصلاحيّاتها لدويلات مناطقيّة وطائفيّة.


روايات من البلدة
"ما حصل أمرٌ عاديٌ"، هذا ما يبادر مختار مليخ علي بو ملحم إلى قوله في اتصال مع "النهار"، ويتابع: "منزل أحد أهالي البلدة على مقربة من مكان الاحتفال، فتوجّه إلى المحتفلين وطلب منهم بتهذيب خفض صوت الموسيقى العالية التي أزعجت عائلته وأولاده الصغار النائمين. كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل، فأنهى المحتفلون السهرة. كنا موجودين ولم يحصل أكثر من ذلك".


في المقابل، يقول كاهن الرعية الأب ألفرد حلو لـ"النهار": "في تلك الليلة شاركنا الأخوة الشيعة في قداس العيد ثمّ انصرفوا، وكما جرت العادة أقمنا عشاءً قروياً في ساحة الكنيسة تخلّلها أجواء من الفرح والرقص والموسيقى، التي على ما يبدو أزعجت البعض، فقدمت مجموعة من الشبان الشيعة وطلبوا من الاهالي وقف الاحتفال. دخلوا بين الأهالي وأوقفوا الموسيقى، حصل تلاسن بين الطرفين، فخاف البعض وبدأوا إخلاء الساحة. الاحتفال ينتهي عند منتصف الليل، وكانت الساعة قد قاربت الحادية عشرة والنصف، فأوقف الأهالي السهرة لفضّ الإشكال".


ويتابع الكاهن: "في اليوم الثاني، قدم مسؤول البلدة في حزب الله ومعه رئيس البلدية واعتذروا منا عن التصرّف الفردي الذي قامت به تلك المجموعة، منعاً لأي احتقان طائفي، خصوصاً أن مليخ تعتبر نموذجاً للعيش المشترك، ونتشارك في كلّ الأعياد".


باي حق ؟
بأي حقّ يسمح البعض لأنفسهم بمخالفة الدستور اللبناني الكافل للحريات الشخصيّة والدينيّة، وفرض عقائدهم على الآخرين؟ ما هي المخاطر الناجمة عن شعور الفئات بفائض القوة على استقرار البلد المتعدّد؟ وإلى أين نحن متوجهون؟


"كلّ إنسان يتمتع بفائض القوة سيستخدمه، خصوصاً إن لم يكن القانون واضحاً، وإن لم يكن لديه تربية ثقافيّة، بغض النظر عن إنتمائه وعقيدته" مبدأ يشرحه الأستاذ في علم الاجتماع الدكتور نزار أبو جودة لـ"النهار": "كلّ شخص لديه قوّه سيستغلها. فإمّا أن يكون هناك دولة وقانون ومواطن يعلم حقوقه وواجباته ولا يعتدي على غيره ولا يزعج الآخرين، فتكون الحدود واضحة والدولة هي الحكم. أو أن يكون هناك دويلات ضمن الدولة، وكلّ مواطن يستفيد من الدويلة التي يكون فيها الأقوى لفرض قوته. المسألة هي في المبدأ وليس بفئة معيّنة".


ومع تكرار حوادث مماثلة في صيدا وطرابلس، ما هي الأسباب التي تدفع لعدم احترام التعدّدية ومحاولة إلغاء الآخر؟ يردّ أبو جودة: "الأسباب تعود إلى وما ذاتي وما هو مكتسب من الثقافة والتنشئة الاجتماعيّة، وما تفرضه الدولة والقوانين. المواطن في الدول العربيّة يطالب بالحريّة ولكنّه لا يؤمن بها ولا يتقبّل الاختلاف ويعمل على إزالة المختلف عنه، وهو أمر ناتج من الثقافة الحزبيّة والتنشئة الاجتماعيّة في الأسرة والمدرسة والجامعة، فيما الدولة غائبة لصالح الدويلات والمزارع".


وعن الأسباب الكامنة وراء تكاثر الظواهر المتشدّدة في المجتمع اللبناني، يقول أبو جودة: "هناك عوامل عدّة، إن الاحتقان الحاصل، والخوف على الوجود، والاضطرابات في الدول المحيطة، والقتل والذبح والإجرام الذي نشاهده في الإعلام ونلحظه على أرض الواقع، والعوامل الداخليّة السياسيّة والبيئيّة والاقتصاديّة، كلّها تدفع الإنسان إلى حافة الهاوية وتصيبه بالتباس بين ما هو خاطئ وما هو صحّ. عوامل تولّد الفوضى وتعمّمها فتصبح شاملة سلوكياً وفكرياً وأخلاقياً، وتشجّعه نحو إلغاء الآخر. وفي حال لم توضع الضوابط، نحن متجهون نحو مزيد من الفوضى، على السلطة أن تتحرّك وعلى الشعب أيضاً لئلا نصل إلى مزيد من الشحن الطائفي والاحتقان الذي لا بدّ أن ينفجر في مكان ما".


@VIVIANEAKIKI


[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم