الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الجيش دولة أو مؤسّسة تُدافع عنها؟

سركيس نعوم
سركيس نعوم
الجيش دولة أو مؤسّسة تُدافع عنها؟
الجيش دولة أو مؤسّسة تُدافع عنها؟
A+ A-

العميد عصام أبو زكي أحد أبرز الضباط في قوى الأمن الداخلي عايش وعن قرب، قبل نشوب الحروب في لبنان الأحداث المتسارعة والمتلاحقة في البلاد كلها وخصوصاً في العاصمة بيروت وطرابلس. وواجهها بقوة القانون وقوى الأمن الداخلي وعند الحاجة بقوة الجيش، واستمر بعد نشوب الحروب في معايشة وقائعها وأحداثها وفي معالجة بعضها بحكم مواقعه الأمنية والرسمية. لكن الجهد الكبير الذي بذله وسلكه لم يفلح في منع نشوب الحروب عام 1975 ولم ينجح في إنهائها. ما السبب في ذلك؟
السبب مزدوج وقد أورده العميد أبو زكي في "مذكراته" التي نشرها في 21 تموز الماضي، والتي أظهرت امتلاكه المواهب الأمنية والعقل التحليلي والرغبة في الوصول إلى النهايات في التحقيقات، وإن لم يكن متيسراً إعلانها أو اتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخلّين بالأمن والقانون. الشق الأول منه هو تخطيط "الوجود الفلسطيني المسلح" في لبنان لجعله قاعدة كفاحه المسلح لاسترجاع وطنه الذي اغتصبته إسرائيل. ولم يكن ذلك ممكناً في ظل وجود دولة ومؤسسات وقوى أمن وجيش، ولذلك كان هدفه ضرب الدولة وتدميرها، ومن هنا تسلسل الأحداث الأمنية التي أوصلت اللبنانيين إلى الحرب في ما بينهم ومع الفلسطينيين. ولم يكن ذلك ممكناً أيضاً لو كان الشعب اللبناني غير منقسم وعلى قضايا جوهرية مثل الانتماء والهوية والقومية، ومثل النظام وصيغة العيش المشترك، ومثل شعور قسم منه بالغبن والحرمان وعدم المشاركة الفعلية في السلطة وشعور قسم آخر بالخوف على دوره ووجوده أولاً من اختلال التوازن الديموغرافي مع القسم الأول، وثانياً من الهوية القومية التي يريدها للبنان لأنها قد تذيبه في محيط ديني مختلف حجمه كبير جداً. أما الشق الثاني من السبب الذي أورده العميد أبو زكي فكان خطة الرئيس الراحل حافظ الأسد للإمساك بلبنان وطوائفه ومذاهبه ومن خلاله بقضية فلسطين والسيطرة على منظمة التحرير وزعيمها ياسر عرفات وحركة "فتح" التي أسس. وهدفه النهائي كان إما إلحاق لبنان بسوريا رسمياً وإما بجعله دولة تدور في فلكها، واستمرار هذا الوضع مدة طويلة لأن الحل للنزاع بشقيه اللبناني والفلسطيني كان مستحيلاً .
طبعاً كي لا يقول البعض: لماذا نسي أبو زكي إسرائيل؟ أقول إنه لم ينسها وقد تحدَّث عن دورها في سياق سرده لملاحقة خلية تجسس إسرائيلية من أهدافها ضرب الاستقرار والإسهام في ضرب الدولة.
لماذا الكلام اليوم عن هذه الأمور؟
ليس للدعاية لأبو زكي. فهو لا يحتاج إليها. ولكن للتمهيد لعيد الجيش الذي يصادف اليوم ولتهنئته وللإشادة بما يقوم به للمحافظة على الأمن ومحاربة الإرهاب والتصدي قدر إمكاناته للعدو الإسرائيلي. كما لدعوة اللبنانيين من مدنيين وعسكريين وسياسيين إلى عدم تحميل الجيش أكثر من طاقته وإلى قيامهم هم بمسؤولياتهم. ذلك أن الجيش في النهاية مؤسسة رسمية تابعة لمجلس الوزراء مهماتها كبيرة ووطنية لكنها تنفيذية. فالإستراتيجيا تضعها الدولة. والشق العسكري منها والأمني ينفِّذه الجيش. ومسؤولية الدولة ليست فقط توفير الإمكانات التي يحتاج إليها للقيام بعمله الوطني 24 على 24 على أهمية هذا الأمر، وإنما هي أيضاً أن تكون موحَّدة فعلاً، وأن تعبِّر فعلاً عن طموحات "شعوب" لبنان بعد توحيدها في إطار وطني واحد أساسه العدل والمساواة وعدم التمييز واحترام حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية. وهذه أيضاً مسؤولية زعماء الوطن وقادته وأحزابه. وفي هذه الحال فقط نستطيع أن نسائل المؤسسات العسكرية والأمنية عن عملها باعتماد سياسة الثواب والعقاب والحساب.
انطلاقاً من ذلك ولمناسبة عيد الجيش سأتناول غداً وربما بعد غد في "الموقف هذا النهار" الجيش ودوره العسكري والأمني والسياسي في لبنان ونجاحاته وإخفاقاته. وسأحاول أن أكون منصفاً عند الحديث عن حكم العسكريين في لبنان وهم أربعة من أصل إثني عشر، اثنان منهم بشير الجميل ورينيه معوض لم يمكِّنهما الاغتيال من ممارسة الحكم، ولا سيما في ظل سعي الكثيرين إلى تكرار هذه التجربة. وسأتساءل عن سبب عدم قيام حكم عسكري شامل في البلاد رغم المحاولات غير المباشرة لإقامته، وعن "الحملات" الحماسية للجيش، وسأشدّد على أنه لم يكن سبب الانهيار، لكن هل يكون سبب الخلاص؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم