الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

قناة السويس الجديدة ... هل ترفع السيسي الى مصاف عبد الناصر؟

المصدر: النهار
جورج عيسى
قناة السويس الجديدة ... هل ترفع السيسي الى مصاف عبد الناصر؟
قناة السويس الجديدة ... هل ترفع السيسي الى مصاف عبد الناصر؟
A+ A-

نجح الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة في وقت قياسيّ بعد مرور سنة على بدء العمل به. الافتتاح الذي سيتمّ يوم الخميسالمقبل في السادس من شهر آب لن يشهد مرور أوّل سفينة تجاريّة عبر القناة الجديدة. فقد عبرتها سابقاً ثلاث سفن يوم السبت الماضي، في أوّل تجربة ناجحة سبقت الافتتاح المتوقّع الذي سيترافق مع استعراضات واحتفالات رسميّة وشعبيّة بحضور عدد من رؤساء دول العالم.


تعتبر مصر أوّل دولة حفرت قناة مائيّة على أرضها للتجارة الدولية. فمصادر تاريخيّة عدّة ترجّح أن يكون الفراعنة أوّل من بادروا الى شق قناة مائيّة حوالي سنة 1850 ق. م. أيّام الفرعون سنوسرت الثالث.


قناة السويس التي تعتبر أسرع ممرّ مائيّ في العالم لأنّها توفّر دوراناً طويلاً حول القارة الافريقيّة، تمّ إنجاز حفرها الذي استغرق عشر سنوات، في 17 تشرين الثاني سنة 1869.


متحوّلات جيو-سياسيّة عديدة برزت الى الساحة الدوليّة وارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك القناة .فاستحصال فرنسا على ترخيص امتياز لمدّة 99 سنة عبر الشركة الدوليّة لقناة السويس البحريّة، كان في جانب منه تطبيقاً لفكرة مزاحمة الانكليز على طريق الحرير. كما أنّتكريس الثنائيّة القطبيّة العالميّة بدا جليّاً بعد حرب 1956التي أطلقها تأميم قناة السويس، حيث انتهت بانصياع الانكليز والفرنسيّين لقواعد اللعبة الدوليّة الجديدة آنذاك.


ليس من السهل أن تشكّل هذه القناة البالغ طولها مئة وثلاثة وتسعين كيلومتراً، وحدها، ما نسبته 8% من التجارة المائيّة العالميّة. ويتوقّع لهذا الرقم أن يرتفع أكثر بعد افتتاح المشروع الجديد. أمّا على الصعيد الاقتصادي، فالأرقام مبشّرة بالنسبة للمصريّين. فهي ستؤمّن عائدات تقدّر بخمسة عشر مليار دولار سنويّاً وستؤمّن مليون وظيفة تقريباً. القناة الجديدة تتّخذ خطاّ موازياً للخط الاساسي ابتداء من الكيلومتر الستّين وصولاً الى الخامس والتسعين أي أنّ طولها سيبلغ حوالي خمسة وثلاثين كيلومتراً. وقد تمّ توسيع وتعميق منطقة البحيرات المرّة التي تقسم القناةالواصلة بين البحر المتوسّط والبحر الاحمر الى قسمين. وبذلك سيرتفع عدد السفن التي تمرّ عبرها من حوالي 50سفينة الى 100 سفينة تقريباً عام 2023 مع تسريع عمليّات عبورها ممّا يؤدّي الى تخفيض واضح في كلفة النقل الاجماليّة. وتمّ استئصال أكثر من مئتين وخمسين مليون متر مكعّب من الاتربة والصخور أي ما يعادل مئتي هرم كبير. وستؤمّن القناة الجديدة مزايا اقتصاديّة عدّة الى جانب التجارة، أهمّها توسيع قطاع زراعة الاسماك.


رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش ركّز في حديث مع الفضائيّة المصريّة على كون مشروع قناة السويس الجديد أحد المشاريع القومية التي عرفتها مصر في تاريخها الحديث. فاعتبر أنّه كما كان افتتاح قناة السويس والسد العالي أبرز مشروعين قوميّين في القرنين التاسع عشر والعشرين تباعاً، سيكون تدشين قناة السويس الجديدة المشروع القومي الابرز في القرن الواحد والعشرين.


لقد مرّت مصر منذ أحداث ثورة 25 يناير في خضّات أمنيّة كبرى، وقد طالها الارهاب مؤخّراً مثلما طال دولاً عربيّة أخرى. من الناحية الاقتصاديّة تبدو الحاجة المصريّة الى مشاريع بهذا الحجم ماسّة جدّاً للنهوض بالاقتصاد ووضعه على السكّة الصحيحة وتأمين فرص عمل الى مختلف شرائح الشعب المصري وخصوصاً شريحة الشباب التي صنعت الثورة.


ويظهر من جهة أخرى، أنّ مسؤولينن مصريّين يستخدمون صفة "آمن" و"آمنة" بشكل مكرّر للحديث عن الملاحة عبر تلك القناة. وفي هذا دلالة كبرى على حجم المخاطر الأمنيّة التي تتعرّض لها مصر بالاضافة الى تحوّل تلك الاخطار الى هاجس كبير يشغل عقول سياسيّيها وأمنيّيها. ولذلك يتمّ التركيز على الأمن إعلاميّاً من أجل تطمين الداخل والخارج لناحية تأكيد استعداد مصر الدائم لتأمين السلامة اللازمة لحدودها البرّيّة كما البحريّة بوجه الارهاب.


لكن بغضّ النظر عن المنافع العامّة التي ستجنيها مصر من مشاريع كهذه، إلّا أنّه لا يمكن إغفال أنّ الرئيس السيسييسعى لأن يرسم صورة كأحد الزعماء التاريخيّين للدولة المصريّة الحديثة عبر المشروع. وبرز كلام الفريق مميش عن المقارنة بين المشاريع القوميّة المختلفة كجزء واضح في عمليّة بناء تلك الصورة. تذكر الصحيفة الجيوسياسيّة الالكترونيّة "DIPLOWEB" أنّ عائدات مرور السفن عبر قناة السويس ساعدت عبد الناصر في بناء سدّ أسوان عام 1970. وبالتالي يعلم السيسي أنّ هذه القناة، إن تمّ حسن استغلالها، ستأتي بمنافع جمّة قد تفوق المنافع المتأتية عن ذاك السدّ بأشواط كثيرة. ولهذا استعجل بناء القناة الحديثة بعدما طلب إنجازها خلال سنة علماً أنّ الفريق مميش كان يتوقّع انتهاءها خلال ثلاث سنوات.


لكنّ الأنظار تتوجّه أيضاً الى مشكلة الارهاب التي تبدو مستفحلة وتتطلّب جهوداً كبيرة للقضاء عليها. ولهذا السبب، سيكون نجاح السيسي في معالجة الازمة الامنيّة أوّلاً، ثمّ في الاستفادة من الطاقة الاقتصاديّة والسياسيّة التي تؤمّنها القناة الجديدة، باباً من بين الابواب التي قد تؤهّله لتخليد اسمه في السجلّ التاريخي لعظماء مصر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم