الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لبنان المُعتقل بين الأرزة وكيس النفايات

رلى راشد
لبنان المُعتقل بين الأرزة وكيس النفايات
لبنان المُعتقل بين الأرزة وكيس النفايات
A+ A-

سألَتني صديقة فرنسيّة قبل فترة وجيزة "ما هو رمز #لبنان في رأيك؟" وأردَفَت قبل أن أتمكّن من الردّ "أتمنّى عليكِ أن لا تقولي انها الأرزة". لم أكن لأنتقي ذاك الجواب في أي حال. إخترتُ البحر لأنه الفكرة المُمهّدة للرحيل الذي يطاردنا في كل الأوقات وفي كل المطارح. لم يكن كلامها عن الأرزة تَهكّما مُتحاملاً، ذلك اننا كلبنانيين حولّنا جميع رموزنا إلى مادة للتندّر فحسب.


ليس الرمز شيئا فقط مثلما بتنا مُقتنعين في الأعوام الأخيرة، ومنذ نهاية الحرب خصوصا. حرب هشّمت أذهاننا وشوّهت طبيعتنا وخَرّبت نفوسنا. الرمز هو الفكرة وحين يسقط الرمز تسقط القاعدة الحاملة للفكرة. أن يحلّ كيس قمامة مكان الأرزة في وسط العلم اللبناني في سياق الإنتفاضة على اهتراء سياسي قطع عن رئاتنا الهواء ونشر القاذورات في كل زاوية، لا يعني سوى أن نهزأ من الكلّ في معرض الهزء من الجُزء.


ليسَت طهرانية أن نرفض أن نفكّك بأيدينا العناصر المُمثّلة لفكرة الوطن لمجرد اننا حانقون. أجل إن الأرزة التي تتوسّط العلم هي صورة، لكن للصورة سلطة أيضا.


أعلن المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه مرّة أن روح الجمهورية تضيع حين يتبدّد التسامي، مؤكّدا ان أي مجتمع ومتى يفتقر إلى مكان يخصص له حصرا وحين يهمل مفهوم التسامي، يفقد نفسَه حُكماً. أَضاف أن الاتحاد السوفياتي كان عنده لينين وأن الولايات المتحدة الأميركية حَظِيت بالآباء المؤسسين، أما بلاده فرنسا فتَخلّت عن أبطالها الأسطوريين، عن دانتون وعن لوكليرك، فباتت في مطرح مُلتبس.


حين يتعلّق الأمر بالوطن لا يشكّل الأبطال والمرجعيات والمُثل ترفا، لأنهم الأساس في ضمان الحدّ الأدنى من التلاحِم الإجتماعي. ومن قال إن الأسطورة عاجزة عن المساهمة في صنع البلدان؟ الأسطورة سِمة في تكوّن الدول وإن لم تكن صانعتها لوحدها، في طبيعة الحال. أما الأنظمة فخلاصة المواجهات والإمتحانات والتحدّيات.


في وسع الحروب - وليست الحرب الأهلية اللبنانية إستثناء في هذا السياق - أن تُرفّع الأنا الفرديّة لتصير نحن الجماعيّة ويُمكنها، على عكس ما قد نعتقده، أن توحّد الناس في ظل الإنقسامات العسكرية. أما الفساد فيؤسس لعادة سيئة تجعل الناس يخلطون بين الوطن وبين النظام السياسي، فيصير هيّناً أن نسيء إلى الوطن لأن النظام خذلنا وجعلنا أقلّ من مواطنين.


نحن شعب يستهويه التطرّف، نختار إما أن نغالي بتاريخنا ونصنع منه أسطورة أو أن نلقي ببلادنا إلى اللا مكان لنصير مُعلّقين في الهواء بلا جذور. لا تعني الإقامة في الواقع أن ننبذ التاريخ، ولا تعني الواقعية أن نشوّه ما نحن عليه.


دفَعَت بنا أزمة #النفايات إلى الشعور بأننا نقيم في بلاد تقع خارج الجغرافيا، بل في مجاهل الحضارة، وبأننا لا نستحق ان يصل النفَس النظيف إلى قصباتنا الهوائية حتى. غير ان الوطن وصوره المختلفة فكرة تستحق أن نتمسّك بها وإن أُُصبنا في مواطنيتنا أحيانا. يستحق لبنان أن نترك له علَمَه خارج البازار.



[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم