الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من إسكتلندا إلى اليونان...الاقتصاد هو الدافع الأكبر للحفاظ على الاتحاد

المصدر: "النهار"
غسان حاصباني-خبير اقتصادي
من إسكتلندا إلى اليونان...الاقتصاد هو الدافع الأكبر للحفاظ على الاتحاد
من إسكتلندا إلى اليونان...الاقتصاد هو الدافع الأكبر للحفاظ على الاتحاد
A+ A-

كلما وصل أعضاء في الاتحادات الى حافة الانفصال، تحصل تسوية من قبل الأطراف الأقوى للحفاظ على صلابة الاتحاد بدل السماح للحركات الانفصالية بأن تذهب الى أبعد من حدودها؟ سؤال يطرح بعد التجربتين اليونانية والاسكتلندية. فحين وصلت أزمة الديون اليونانية الى حد انفصال اليونان عن منطقة الأورو، أجرت الحكومة اليونانية استفتاء كانت نتيجته معروفة مسبقا، عن مدى تقبل المواطنين لسياسات تقشف كان الاتحاد الاوروبي يطالب بها. فأتى الرفض الشعبي كرسالة موجهة الى الاتحاد الاوروبي بأن اليونان باتت جاهزة للانفصال عن منطقة الأورو بسبب عدم قدرة حكامها على معاكسة الرأي الشعبي. كما قابل هذا الاستفتاء رأيا شعبيا في الدول الأوروبية الاخرى يرفض الاستمرار بدعم اليونان ذات الإنتاجية القليلة، على حساب إنتاجية الألمان والدول الشمالية الاخرى. لكن القيادات الأوروبية كانت دائماً تبحث عن حلٍّ يرضي شعوبها ويحفظ لها ماء الوجه لأنه من الأفضل للجميع الإبقاء على صلابة الاتحاد. فالدول الضعيفة اقتصاديا تستفيد من دعم الدول القوية بينما تؤمن لها أسواقا لإنتاجها ووجهة لتشغيل ودائع مصارفها من خلال الديون. وعلى هذا الأساس الاقتصادي تبنى الاتحادات ويسخّر فيها العمل السياسي من اجل الهدف الاقتصادي.



وجاء الحل اليوناني المتمثل بإعادة هيكلة الديون وتطوير أجلها اضافة الى ديون جديدة بقيمة ٩١ الى ٩٦ مليار دولار أميركي من ضمن ما يسمى "بآلية الاستقرار الاوروبي" وهو صندوق لهذا الغرض، والصندوق الدولي. يأتي ذلك مقابل خطوات تتخذها اليونان قد تكون بمثابة حفظ لماء وجه الدائنين، وقد لا تطبق بكليتها وهي تتمثل بإقرار فوري لقوانين تتعلق بنظام التقاعد والضريبة على القيمة المضافة، وتحرير قطاع العمل وتخصيص قطاع الكهرباء. وهذه الإصلاحات بالمناسبة، تشبه التي يحتاج اليها لبنان وكأن بعضها ضمن متطلبات مؤتمرات باريس لتمويل لبنان منذ أكثر من عقد ولم تطبق بغالبيتها.



اما ما حصل في إسكتلندا فكان مختلفًا بعض الشيء رغم ان النتيجة كانت الإبقاء على الاتحاد الملكي البريطاني لأسباب اقتصادية أيضاً مع تعديلات في النظام المالي لإتاحة مرونة أكبر لإسكتلندا وجعل انفصالها أمرًا أصعب من السابق. رغم ان الاستفتاء الشعبي أيّد بقاء إسكتلندا في الاتحاد، فإن هذه النتيجة حصلت في اليومين الأخيرين بعد ان وعدت الحكومة الاتحادية بتعديلات تعطي إسكتلندا استقلالية اقتصادية أكبر متخذة خطوة إضافية نحو تركيبة اتحادية فيديرالية. وكانت الأسباب الاقتصادية هي الدافع الأكبر للحفاظ على الاتحاد، فوجود النفط في إسكتلندا ودور إنكلترا العالمي في الخدمات المصرفية وعلاقاتها الدولية وموقعها كمركز ثقل للتبادل التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا جعل البقاء في الاتحاد ضمن نظام اقتصادي ومالي لا مركزي مفيدا للطرفين.
وهكذا نجد امامنا نموذجين لدور الاقتصاد في الحفاظ على الاتحادات السياسية التي تعمل على قاعدة ان الأقوى اقتصاديا وإنتاجيا يدعم الأضعف، والاضعف يستفيد الى أقصى الدرجات مقابل تأمين أسواق استهلاكية للأقوى قدرة تفاوضية مع مجموعات اقتصادية اخرى.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم