الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الكبتاغون أفيون...الجهاديين

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الكبتاغون أفيون...الجهاديين
الكبتاغون أفيون...الجهاديين
A+ A-

منذ يومين، وقف البريطانيّون دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحاياهم الذين سقطوا بنيران الارهابي سيف الدين رزقي الذي قتل 38 سائحاً في تونس بينهم ثلاثون بريطانيّاً. رزقي التونسي الجنسيّة والذي تمكّنت الشرطة من قتله، أطلق النار باتجاه السيّاح وهو يضحك كما أفاد شهود بحسب صحيفة "الدايلي ميل". الصحيفة نفسها أعلنت أنّ تشريح جثّة القاتل كشف عن تعاطيه حبوب الكبتاغون التي تزيل مشاعر الخوف والتعب. لذلك لن تكون مفاجئة أيّ تقارير تتحدّث عن انتشار ظاهرة الادمان على هذه المادّة في ميادين المعارك، بما فيها الميدان السوريّ الذي يشهد أبشع أساليب القتل.
لا شكّ في أنّ للجهاديّين الذين يحاربون في سوريا عقيدتهم القتاليّة التي يستمدّون منها قوّتهم واندفاعهم للمحاربة على الجبهات والاستعداد للموت في سبيل ما يؤمنون به. لكنّ قوّة العقيدة تتعرّض لامتحانات عميقة في ساحات القتال خصوصاً بعد الاستنزاف المادّي والمعنويّ والبشريّ للمقاتلين. عندها لا بدّ من تدخّل مادّة مخدّرة تعيد للاعصاب قوّتها وحماسها وتزيل أيّ شكوك قد تراود المقاتل في صواب معركته ومشروعيّة قتاله. وهنا، تبرز حبوب الكبتاغون كالحلّ المنشود لذوي الإرادات والأجسام المتعبة.


" يضحكون حين نضربهم "


هي نوع من المخدّرات القادرة على أن تنسي كلّ شيء بما فيها الألم. هكذا عرّفت "باري ماتش" الكبتاغون التي وجدت لها مؤخّراً السوق الاوسع في سوريا. هذا المخدّر أبصر النور عام 1960 في اوروبا. وخصّص لاستعمالات طبية أهمّها معالجة المصابين بالاحباط أو بالنعاس المرضي المعروف بال narcolepsie. لكنه منع لاحقاً بسبب تأثيراته الجانبيّة السيّئة.


وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية ، شهدت منطقة البقاع اللبنانية التي اعتبرت مركزاً تقليديّاً لصناعة الكبتاغون، عام 2013 تراجعاً كبيراً في التصنيع بلغت نسبته ال 90 في المئة مقارنة مع عام 2011.
ضابط مسؤول عن مكافحة المخدّرات في مدينة حمص أخبر "رويترز" أنّ متعاطي تلك الحبوب لم يشعروا بالألم عندما كان يضربون، وأنّ عدداً منهم كان يضحك حين تمّ ضربه بقسوة. ويضيف أنّهم كانوا يضطرّون الى ترك المدمن نحو 48 ساعة حتى يزول مفعول المخدّر، فيصبح التحقيق عندئذٍ أسهل .
تظهر "الغارديان" من جانبها كيف أنّ النظام والثوّار يتبادلون التّهم في استعمال هذه المنشّطات من أجل إطالة الحروب من دون أن يحتاج المقاتلون الى النوم لأطول فترة ممكنة.
صحيفة "ذا ناشيونال" الاماراتية تنقل عن أحد الذين تعاطوا هذه المارة قوله: "أنت تنسى الناس، تهلوس ... أفكارك تصبح أفضل. تشعر كأنّ الناس غير موجودين".
مقاتل كرديّ يصف لمراسل مجلة "باري ماتش" كيف كان إرهابيّو تنظيم الدولة الاسلاميّة "يعوون" -بحسب تعبيره- من الفرح. ويضيف:"إنّهم مدمنون على هذه الحبوب لدرجة أنّهم لا يموتون ... إنّهم لا يقعون إلاّ بعد الرصاصة السادسة!"


ويبدو أنّ تلك المادّة لا تستخدم فقط لتنشيط المقاتلين من طرفي الصراع، بل إنّ تجارة هذه الحبوب جزء لا يتجزّأ من عمليّة تمويل المعارك في سوريا بحسب تقرير مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة. الكبتاغون هو الاسم التجاري للمادة الكيميائيّة المنشّطة المعروفة باسم الفينيثيلين وقد تضاف اليها أحياناً مادّة الكافيين بحسب "ليبراسيون" الفرنسيّة. أمّا بحسب "الغارديان" فإنّ تصنيع هذا المخدّر عمليّة بسيطة لأنّ من السهل الحصول على مركّباته كما أنّ التجارة بهذه الاخيرة تعتبر مشروعة في غالب الاحيان.
ويضاف الى سهولة التركيب والتصنيع مقدار عالٍ من الارباح الصافية التي تنتج عن الاتجار بها. فبضعة آلاف من الدولارات كافية لانتاج مئتي ألف حبّة تعود بنحو نصف ملين دولار كأرباح مادّيّة تقرير لقناة "آرتي" الالمانية .


... كذلك في الرياضة


تمّ تسخير قوّة هذه المخدّرات المذهلة بادئ الامر في عالم الرياضة وتحديداً في عالم الرغبي. تلك الرياضة التي تتطلّب طاقة بدنيّة ومعنويّة مرتفعة، شهدت مباريات انقلبت فيها نتائجها رأساً على عقب إثر استخدام هذه المادّة.


باري ماتش" تذكر كيف أنّ الصحافي بيار باليستي نشر في كتابه اعترافات لجاك مومبي وهو الطبيب السابق المشرف على الفريق الفرنسي XV في الرغبي، عن تناول لاعبيه الكبتاغون. مومبي أكّد أنّ كلّ لاعب في فريقه كان يحصل على حبّة واحدة في صحن وجبته التي تسبق المباراة. ويذكر الطبيب أنّ مباراة الاياب التي جمعت منتخبي فرنسا ونيوزيلندا عام 1986 انتهت بفوز الفريق الفرنسي بطريقة أذهلت اللاعبين النيوزيلنديّين لأنّ لاعبي فرنسا تطوّروا بشكل لا يصدّق عن مباراة الذهاب. وقد راودت الشكوك الطاقم النيوزيلندي الذي تقدّم بشكوى الى الاتحاد العالمي للرغبي، فما كان من هذا الاخير إلّا أن حذّر وزير الرياضة الفرنسي الذي وضع الاتحاد المحلي في الاجواء. ومن حينها تمّ منع اللاعبين عن تناول هذا المنشّط.


لكنّ أسباب المنع لا تتوقّف عند هذا الحد. رئيس قسم الطب الداخلي في مستشفى لاريبوازيير في باريس البروفسور جان فرانسوا بيرغمان قال للمجلّة إنّ منع الكبتاغون في فرنسا يعود بالدرجة الاولى الى استهلاك المنشّط بشكل اعتباطيّ. من جهة ثانية يساهم الكبتاغون في بروز مشاكل صحّية مرتبطة بالقلب من بينها تسريع دقّاته. ويؤدّي استهلاك هذه المادّة أيضاً الى تسمّم الناحية النفسية للمدمن. فالبعض يجنح قليلاً الى الجنون عند استهلاك هذه الحبوب.
لكنّه يضيف رأياً لافتاً متعلّقاً بالمفاعيل السلبيّة فيقول:" ليست تركيبة الكبتاغون هي التي تؤدّي الى ارتكاب الجرم أو الى دفع رجل ليعتدي على الآخرين." ويتابع ما قد يدهش البعض فيضيف:" هو لا يؤدّي الى إدمان أو شعور بالحاجة اليه(اذا توقّف الشخص عن تناوله). الادمان عليه ليس إلّا إدماناً نفسيّاً، لأنّ الذين يتناولونه يشعرون بأنّهم باتوا أقوى".


صحيح أنّ تعاطي الكبتاغون محرّم بحسب المعتقدات الدينيّة والمذهبيّة للجهاديين المتحاربين في سوريا، لكن يظهر أنّ عنف الحرب اضطرّهم الى اجراء بعض التعديلات الظرفيّة على تلك المعتقدات فبات هذا المخدّر العنصر – السند في مساعدتهم على الدفاع عن الجبهات او حتى اختراقها أكان عبر هجمات كلاسيكيّة أو انتحاريّة.
إذاً، علاوة على ما تركته الحرب الدائرة في سوريا من مشاهد فظيعة تتعلّق بالقتل والدمار والتهجير، سيجد العالم أن مداواة جزء لا يستهان به من السوريّين من آفات هذا الادمان هو أولويّة مهمّة أيضاً بعد إعادة بناء الدولة (الدويلات؟) السورية مستقبلاً. والاستخفاف بهذا الشأن لن يكون في محلّه، خصوصاً عند معرفة أنّ متعاطي هذه المادّة بحسب "الغارديان" لم يعودوا من المقاتيلن فحسب، بل أصبحوا أيضاً من المدنيّين المصابين بالإحباط واليأس والدمار النفسي والمعنوي.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم