الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

قصة - يا كلاب العالم العربي اتحدوا

مصطفى علوش
قصة - يا كلاب العالم العربي اتحدوا
قصة - يا كلاب العالم العربي اتحدوا
A+ A-

ملاحظة أولى: أنا أحبّ الكلاب. منذ سنوات وأنا أناقش خوفي وأقول له أما آن لك أن تكتب عن الكلاب؟ يأتيني الرد: ولماذا تصر على إثارة الكلاب عليك؟
نحن شعب يحبّ الكلاب، ومنحنا الرب سلطة تحبّ الكلاب أيضاً، وبيننا وبين السلطة خبز وملح وسياط وكلاب، حتى أن رسّام كاريكاتور غير مشهور رسم مرةً في ثمانينات القرن الماضي في جريدة سورية فرعية اسمها "الفداء"، لوحة كاريكاتورية ملخّصها مجموعة كلاب، نعم مجموعة كلاب هاجمت مواطناً في آخر الليل فرمى لها عظاماً لتسكت. نُشرت اللوحة، وفي اليوم التالي تماماً استُدعي الرسّام إلى المخابرات للتحقيق معه، وملخص الاتهام أنه كان يقصد المخابرات، عندما رسم الكلاب في اللوحة.
هو: معقول أنا أقصدكم كمخابرات، وأرسمكم كلاباً في لوحة؟
لا أزال أحب الكلاب والسبب ليس الوفاء المطلق لصاحبها إنما لأننا نحن البشر ظلمناها كثيراً إلى حد العنصرية.
فرسّامو الكاريكاتور كلما كرهوا طاغية عربياً رسموه على شكل كلب، وكلما كره أب ابنه ناداه يا كلب، وكلما تأخر طالب في حفظ أنشودة مديح الرئيس، ناداه المدرّس يا كلب. وكلما تشيطن ولد أمام أمه نادته يا كلب، وكلما ترك عاشق حبيبته نادته يا كلب، وكلما ناديتَ على شخص تحبّه وغاب طويلاً قلتَ له تحبباً يا كلب أين كنت غائباً.
بجوارنا تماماً، الكلاب تسمعنا، وتعرف كل أخطائنا وتسامحنا وتنبح لأجلنا. يكفيها أن تأكل طعامها المغمس بالصمت؛ صمتها وصبرها علينا.
نعم. غير هذا وذاك، المكان الذي نستعمل فيه كلمة كلب، أكثر من غيره، هو في السجون العربية وفي المدارس البعثية. حكى لي أحد أصدقائي أنه عقد صداقة مع المحقق في السجن، حيث كان يناديه كل دقيقة: يا كلب قرّ، ويا كلب احك كل شيء تعرفه.
يمكن أي باحث يحب الكلاب أن يجري إحصاءً موضوعياً يتناول فيه شريحة سجناء الرأي الذين خرجوا أحياء من السجون ويسألهم عن عدد المرات التي سمعوا فيها كلمة يا كلب، ويا كلاب، في السجن. بالتأكيد سيكون بحثاً علمياً مهماً، ولكن من المؤكد أن السيد بان كي مون سيشعر بالقلق، ليس بسبب تجربة السجن العربية ولا بسبب سجناء الرأي، إنما على الكلاب، وربما يدعو إلى عقد مؤتمر عالمي لبحث الاعتداءات اللفظية التي تقع على الكلاب في العالم العربي. وقد يحضر ممثل أو فريق كامل يمثل الكلاب في البلاد العربية.
ملاحظة: أرجوكم أن لا تخبروا السيد بان كي مون أننا في الحارة الغربية كنا نضرب الكلاب بالحجارة. خصوصاً تلك الكلاب الغريبة التي لا تنبح معنا.
نعود إلى رسّامي الكاريكاتور العرب لنسألهم عن الغرام بينهم وبين الكلاب، ولماذا يرسمون الكلاب كثيراً، ثم لماذا يرون أنها دائماً تعني المخابرات العربية. عندنا مثلاً في سوريا، ألف شكل للمخابرات. هناك المخبرون مثلاً، فقد تجد أستاذا جامعياً مخبراً، وطبيباً مخبراً، وموظفاً رسمياً مخبراً، ووزيراً مخبراً. فهل نقول عن هؤلاء إنهم تماسيح مثلاً أم كلاب أيضاً؟
حتى لا نغرق في سيرة الكلاب، مرت سوريا بمرحلة ازدهرت فيها تربية الكلاب. ترى الغني عنده كلب صغير وخادمة اختصاصها أن ترعى الكلب فقط. ترى هذا الغني سعيداً جداً بكلبه، وأحياناً نراهما يترافقان في مشاوير مسائية.
في دمشق وحدها كان هناك آلاف الكلاب تعيش في المنازل، ومع ذلك لم تصنفنا الحضارة الغربية كشعب يحترم الكلاب، والسبب أننا نربّي الكلاب لنختبئ وراءها. ربّينا الكلاب وبقينا لا نحبّ بعضنا بعضاً. من هنا كنا مكشوفين أمام الكلاب ومعروفين بتمثيلنا الكاذب.
في أمثالنا، كلب ينبح معك ولا ينبح عليك! ترى كم استخدم الحكّام العرب هذا المثل سياسياً؟! قال مرةً إعلامي سوري في ندوة، إن صدّام حسين كان يدفع رواتب بالدولار لـ 600 صحافي وكاتب في العالم، ويرسل إليهم هدايا بعضها سيارات. صدّام من أكثر الحكّام الذين وصف معارضيه بالكلاب.
نحن في سوريا، عند الموالاة والشبّيحة والمخابرات، كل أفراد المعارضة السياسية كلاب للولايات المتحدة وإسرائيل، والمعارضة تصف كل الموالين والشبّيحة والمخابرات بالكلاب، كلاب السلطة. كلاب النظام.
في ظل هذه المعمعة ضاع حق الكلاب.
كيف نفصل بين كلب مع السلطة وكلب مع المعارضة، وكلب للسلطة وبين كلب عادي طبيعي، من حقه العيش ككلب في الحياة؟
تذكرت نكتة حتى لا تملّوا: أثناء الحرب الأهلية في لبنان، كلب لبناني كره الحرب وجاع بسبب القصف والقتال الدائر، وعدم توفير بيئة مناسبة ليأكل بسلام، فقرر الهجرة إلى سوريا. على الحدود سأله عنصر مخابرات سوري: الى أين أيها الكلب المحترم؟
- الى سوريا، أجابه، أريد أن أشبع من اللحم والعظام. في لبنان لا يمكن الكلب أن يكمل وجبته بسبب القصف والقتال الدائر. الكلب يغصّ باللقمة من الرعب.
عنصر المخابرات: تفضل، ما نحنا سوا ربينا.
يدخل الكلب اللبناني وبعد شهر يعود إلى لبنان مسرعاً، فيراه رجل المخابرات نفسه.
- خير يا كلب، لماذا أنت راجع إلى لبنان بهذه السرعة، "شو بسوريا ما في أكل للكلاب؟".
- الكلب: لا والله، في أكل كتير بسوريا. الحمد لله شبعنا أكل عندكم، ولكن اشتقت للنباح. عندكم غير مسموح بالنباح. حتى الكلب لا يمكن أن يفتح فمه.
شخصياً، واتركوا السخرية والفكاهة، أقدم اعتذاري إلى كل أصناف الكلاب على هذه الأرض العربية، لأنها عاشت عندنا بطريقة مهينة. ضربناها بالحجارة إن نبحت، وربطناها بالسلاسل وطالبناها بالنباح حسب مزاجنا الشخصي، حاصرناها في المزارع والمسابح، لم نقدم لها ما تستحق طول عقود المرحلة البعثية، طالبناها بمعرفة اللصوص والحرامية التقليديين وربيناها في القصور والفلل الراقية التي يملكها كبار اللصوص الرسميين. أقدم اعتذاري للكلاب الجعارية والبوليسية وللكلاب الصغيرة، والهجينة، ولكل أنواع الكلاب المعروفة عندنا. لا يمكنني وأنا أعتذر من الكلاب، إلا أن أترحم على كل الكلاب العربية التي ماتت. نعم ماتت وليس فطست، احتراماً لروح الكلاب، دهساً في شوارعنا.
وأعتذر بشدة من كل إساءة صدرت من إنسان عربي يعتبر نفسه أنه يهين غيره بوصفه بالكلب.
وبعد، أرجو من كل كلاب المنطقة العربية أن ترفع شعار يا كلاب العالم العربي اتحدوا. وذلك حرصاً على نسلها وحقها في الحياة الحرة الكريمة.
ملاحظة أخيرة مكررة: أنا أحبّ الكلاب وأحلم بيوم في عمري أستطيع فيه تربية كلب وتوفير كل مستلزمات معيشته الكريمة لي وله.


كاتب سوري

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم