الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الرِقاب المهدّدة بالذبح في ليل السلطان السفّاح

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
الرِقاب المهدّدة بالذبح في ليل السلطان السفّاح
الرِقاب المهدّدة بالذبح في ليل السلطان السفّاح
A+ A-

تُخرِج أسطورة "ألف ليلة وليلة" المُشاهد الرمضاني من بلادة ما يحدث على الشاشة، على رغم خلوّها من كلّ جديدٍ مفاجِئ. شهرزاد وشهريار وحكايا الشرق القديم في مسلسل كتب خطوطَه محمد ناير وقدّم رؤيته المخرج رؤوف عبد العزيز. تعرض "أم بي سي" و"أم تي في" ليالي الخرافة المُستعادة، وتترك لشهرزاد (نيكول سابا) أن تباغت شهريار (شريف منير) بالمغامرة وروح البحر، فيؤجّل قتلها.


يستعيد العمل أمجاد الأسطورة في الذاكرة العربية، مراهناً على مَيْل الجماهير الى خفايا الحرملك وأسرار الليل. يقطع الملك شهريار على والده وعداً بالاقتصاص من النساء جميعهن كونهنّ خائنات. يحسم الملك أمره، ويقرّر في كلّ ليلة قَطْع رأس امرأة بعد الزواج منها، الى أن حلّت عليه شهرزاد. الحروب تشتدّ والمملكة في خطر، وشهرزاد تساوم القاتل على حياتها. هذه الشخصية محفوظة غيباً، لا تدّعي هي نفسها الكشف عن ألغازٍ جديدة. تختزل الهدنة والتفاوض وتمرير الوقت للوصول الى الغاية بخسائر أقلّ. سابا تؤدي الدور كأنها إحدى سلطانات "حريم السلطان"، أو كأنّ شهرزاد هي نفسها السلطانة هُيام تقريباً. يستطيع بريق العينين هنا أن يصنع قوّة الشخصية. تصبح حكاية القبطان نجم الدين (أمير كرارة) ورحلته في المحيط بحثاً عن الكنز الموعود، رابطاً عاطفياً يجمع شهرزاد بشهريار ويجعله رجلاً وديعاً. يعتاد انتظار الليل وما قد يحلّ بنجم الدين وقمر زمان (عايشة بن أحمد) بعد سرقة خاتم السلطان طهروز (أيمن قنديل) واشتداد المكيدة.


الحكاية ما عادت مثيرة، والاعتماد على الأداء وبعض تفاصيل الصورة. نلمح جهداً إخراجياً وعناية بالكادرات مع الحفاظ على جوّ الخرافة وروح الأسطورة. المسلسل بين عالمين: ما يجري في القصر وما يجري في الرحلة. مغامرتان قائمتان على منطق المؤامرة، موجّهتان مباشرة الى خَلْق ضحية جديدة. يحلو لشهرزاد التخلُّص من الملك بدسّ السمّ في طعامه، ويحلو لشقيقه الأمير أكمل (إيهاب فهمي) التخطيط للانقلاب عليه وتبوّؤ منصبه. أساطير الشرق القديمة عرّت الجشع الإنساني وكشفت الزيف المتعلّق بالمثالية. حكاياتٌ تُفسَّر بمكنونات النفوس وخفايا النيات، وتشبه "كليلة ودمنة" في تَرْك العِبر، على رغم فارق النضوج والمقاربة.


يصل نجم الدين الى بغداد بحثاً عن طريق ترشده الى الأرض السوداء حيث الكنز، فإذا به عُرضة لمطاردات السلطان طهروز وأطماعه. المؤامرة مرة أخرى، فينقسَم طاقم السفينة بين مؤيد لتاج الدين ومنقضٍّ عليه يريد رأسه. أما رأس شهرزاد فلا يزال سالماً طالما أنّ شهريار يترقّب الحكاية ويحترق شوقاً من أجلها. يبرز ارتكاز السرد على الغرائبية والمخلوق الخرافي كالجان والعنقاء والعماليق لحَمْل المُشاهد إلى عالمٍ آخر. يتّضح عمق صلة الإنسان بالخوارق، واستحالة الفصل ما بين حقيقة وجوده ووهم وجودها. يتعارك نجم الدين مع العنقاء، فإذا بقمر زمان تومئ إليها أن تهدأ وتؤكد لها أنّ نجم الدين ليس عدوّها. تستجيب العنقاء للهدنة وتغيّر مسار معركتها واتجاه الغضب. تُمتِع الحكاية شهريار وتُمتعه أكثر صاحبتها. تبدأ شهرزاد بِحَبْك العلاقات داخل القصر وفق ما يناسب مصالحها، والملك على غفلة لا يدري ماذا يُحضَّر. شريف منير دَرَس الشخصية وأدرك قوّتها وضعفها، وفي النهاية أدّاها جيداً. التكنولوجيا تمنح الصورة قدرةً، لكنّها لوهلة تفرّغها من "إنسانيتها" وتبيّنها من دون حياة. تستمر شهرزاد في التحايل على مصيرها ونستمر نحن في تصديق دهائها.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم