الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يكون لبنان ملاذاً لمسيحيّي الشرق؟ أفكار على هامش المخاوف ومتغيّرات المنطقة

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

قبيل مغادرة الرئيس الراحل الياس الهراوي قصر بعبدا في العام 1998 بعد ولايته الممددة، رغب في تصحيح بعض الاخطاء الكبيرة التي ارتكبت في قانون التجنيس الذي وقعه العام 1994 والتي كانت مجحفة في حق المسيحيين وقامت قيامتهم عليه في ذلك الوقت، فارسل النائب السابق اوغست باخوس الى سوريا من اجل محاولة رصد او حشد مجموعات مارونية او مسيحية ترغب في الحصول على الجنسية اللبنانية، نظرا الى ما كان سائدا عن طموح مضمر لدى السوريين في الحصول على هذه الجنسية. وفيما لم يوفق النائب باخوس بما توقعه الرئيس الهراوي ( وليس واضحا كيف كان سيقنع الرئيس اللبناني نظيره السوري حافظ الاسد بذلك ) فان البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير اعترض على هذا المسعى معتبرا ان " الخطأ لا يصحح بخطأ اكبر"، فمات المشروع في مهده.


ليس كل ما تجري المباحثات في شأنه حول لبنان يتصل بالازمة السياسية اليوم والشغور الرئاسي. بل ان مسألة النازحين او اللاجئين تطرح هماً اكبر. وبعد ما يزيد على 20 سنة على حادثة الهراوي بات جزءا كبيرا من مسيحيي سوريا والعراق في لبنان وليس من حاجة للبحث عنهم خارجه. بعض هؤلاء يطلب الهجرة الى الولايات المتحدة والدول الاوروبية، والكثيرون منهم يتوقع ان يبقوا في لبنان على امل التمكن من العودة الى ديارهم قريبا. هم اتوا الى لبنان بحكم الحرب المستعرة في العراق والتي هجرت المسيحيين فيه منذ الاحتلال الاميركي لهذا البلد في 2003 واخيرا بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة في العراق وكذلك في سوريا ونتيجة الحرب المستمرة في هذه الاخيرة. ويسود اقتناع شامل لا يقتصر على لبنان فحسب ان لا عودة محتملة للاجئين السوريين الى سوريا في المدى المنظور، كما انه من غير المحتمل ان يتمكن المسيحيون من العودة الى سوريا او الى العراق، علما ان المخاض الذي يمر فيه البلدان ليس مرجحا للانتهاء خلال سنوات قليلة وليس مؤكدا او ثابتا انه سيكون لهم ملاذ آمن. بعض الافكار او التساؤلات بات يطرح في ظل المطالبات بحماية المسيحيين في الشرق وعقد المؤتمرات لهذه الغاية من جهة وتأمين مظلة ضامنة لهم في المنطقة تقيهم طلب الهجرة الى اوروبا او اميركا خشية تفريغ المنطقة من المسيحيين ايضا. يضاف الى ذلك المخاوف من هجرة اضافية للمسيحين من لبنان تبعا للمخاوف من المستقبل، وما اصاب المسيحيين في المنطقة بات يتمحور وفق ما ينقل عن متصلين بالخارج اذا كان لا يشكل الوجود المسيحي العراقي والسوري ثقلا يمكن ان يضاف الى الثقل المسيحي في لبنان معنويا وعملانيا. فهناك زيارات راعوية يقوم بها القادة الروحيون للكنائس الى المناطق المسيحية في العراق وسوريا من اجل تقوية روح الصمود والبقاء لدى من بقي في ارضه. لكن المسألة قد تكون اصعب من معالجتها على هذا النحو في ظل مستقبل لا يبدو مشرقا بالنسبة اليهم. في حين ان مسألة اعطاء فرصة لهم لحمل الجنسية اللبنانية قد تؤمن بقاء المسيحيين العراقيين في بيئة غير غريبة كليا عنهم فضلا عن امكان رفد الطوائف المسيحية في لبنان باعداد يمكن ان تبعد عنهم هاجس التحول الى اقلية تتضاءل قدرتها السياسية وحيثيتها يوما بعد يوم.
ومع ان هذه المسألة متروكة لعامل الوقت، فان هذه الافكار او الاحتمالات تكتسب جدية في ضوء محاولة رصد بعض ردود الفعل من الافرقاء السياسيين او الطوائف الاخرى وما اذا كانت تشكل حساسية محددة ام لا في ظل عدم اعتراض بعض القيادات الاساسية وفق ما تفيد بعض المعلومات. فهل يمكن ان يشكل لبنان ملاذا للمسيحيين في الشرق كما كان منذ قرون عدة؟
لا شيء خرج الى العلن حتى الآن. وثمة تحولات ديموغرافية واعادة رسم خرائط في المنطقة بحيث قد لا يكون سهلا التنبؤ بما قد ينتهي اليه الوضع في الدول المجاورة. الا ان المشكلة الطارئة المتمثلة في هجرة مسيحية قسرية من المنطقة تشكل محاذير كبيرة لا ينوي احد الدخول فيها في الوقت الذي يتعين وضع اطار مستقبلي ممكن او محتمل في انتظار حل قد يأتي متأخرا اذا هاجر المسيحيون من المنطقة. ولذلك فان هذه الافكار تتسم ببعد طارىء ايضا على رغم انها تحتاج الى بلورة مجموعة عوامل قد يكون في مقدمها معرفة موقف الطوائف الاخرى من هذا الاحتمال اي فتح باب التجنس امام المسيحيين العراقيين والسوريين وما هي ردود فعلهم على ذلك. وثم اذا كان ثمة اثمان سياسية او غير سياسية او مطالب بموازاة احتمال فتح التجنيس للمسيحيين بمطالب لطوائف اخرى على نحو مماثل باعتبار ان رفع سقف المطالبات قد يعطل الخطوة او يخفف من ابعادها التي قد تنتهي بأعادة ضخ الاقلية المسيحية باعداد قد لا تكون بسيطة.
هناك ما هو مهم يتصل برد فعل اصحاب الشأن اي اللاجئين المسيحيين من العراق وسوريا، كما من رد فعل المسيحيين انفسهم انطلاقا من ان غالبية هؤلاء ليسوا من الطائفة المارونية بحيث قد يعترض الموارنة على هذه المسألة. اضف الى ذلك وجود محاذير تتصل باختلاف قوي لا يمكن انكاره في ما يتعلق بثقافة سياسية وبيئة مختلفة لهؤلاء عن البيئة اللبنانية في حال استيعابهم كلبنانيين ومنحهم حقوق المواطنة.
لكنها افكار ستجد طريقها قريبا الى البحث العلني ولو ليس بالصراحة نفسها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم