الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

مظلتنا ... مهترئة

امين قمورية
A+ A-

لوهلة كنا نظن ان تونس نأت بنفسها عن المرض الارهابي الذي أصاب بلدان الربيع العربي. فهذا البلد الصغير ليس فيه سنة وشيعة وليس فيه اعراق ومذاهب وديكتاتوره خلع من زمان. هو الوحيد التي استقرت تجربته التعددية باجراءات ديموقراطية. دستوره الجديد المنبثق من ثورته الرائدة اخذ في الاعتبار هواجس الدينيين ومخاوف العلمانيين فكان تسوية قانونية فريدة. وتمكنت مجموعاته اليسارية والليبرالية من ايجاد صيغة مساكنة سياسية مع حركاته اليمينية الاسلامية بتشكيل حكومة وحدة. اوضاعه الاجتماعية والاقتصادية مستقرة، ومعدلات الفقر والبطالة والتهميش فيه اقل بوضوح من معدلات جيرانه... ومع ذلك ضربه الارهاب ضربة موجعة من شأنها، اذا ما تواصلت، ان تقوض الاقتصاد، وتسقط تونس في مخاض الدولة الفاشلة. الارهابي المنفذ "متعلم" ولم يتدرب في سوريا. ولم يعبر الحدود الليبية المجاورة والمتفجرة. هو صناعة محض محلية أسقط بفعلته مقولة ان الارهاب هو من من انتاج الاستبداد والفقر والجهل والفساد او التدخل الخارجي والفتنة المذهبية.


ايضا، لم يتنبأ أي من المحللين ولا المنجمين ببشاعة دموية في الكويت، فحال هذه الامارة الخليجية الصغرى كحال الجمهورية الصغرى في شمال افريقيا، ذلك انها البلد الوحيد في نطاقه الجغرافي الذي تطورت دولته الوطنية الحديثة بمواكبة تجربة برلمانية مستقرة ومع حريات شخصية ومدنية على نواقصها لا نظير لها في محيطها. وعلى عكس ما هو سائد جواره، لم تشهد الامارة تمييزا او تهميشا لفئة من فئاتها السكانية على اساس مذهبي بل دمجت في عمليتها السياسية جناحيها السني والشيعي. ووفرت لمجتمعها رخاء اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً تحسدها عليه المجتمعات الاخرى... ومع ذلك كان نصيبها من الخسائر في البورصة الدموية للاسبوع الماضي لا يحتمل. الانتحاري جاء من خلف الحدود، لكنه اسقط بفعلته مع شركائه المحليين مقولة ان ثمة دولاً محصنة، واسقط أيضا المفاهيم الخاطئة عن البيئات الحاضنة.
بعد الكويت وتونس، لا مظلة تحمي الرؤوس من شمس الارهاب الحارقة. لا ينغش احد بالسكون الظاهري الذي نعيشه، بينما التوجس والحقد يغليان في النفوس المريضة وما أكثرها. وعندما يبرر غلاة مذهبيينا تدحرج الرؤوس وحفلات الشواء الآدمي لان ضحاياها ليسوا من طينتهم او هواهم، وعندما يجد سني مسوغات فقهية وفتاوى لاهدار دم شيعي أو العكس، وعندما يجاهر ملتح من على شاشة لبنانية بأن المسيحيين "كفار" ولا يخرسه أحد، وعندما تصير نصوصنا الجاهلية وتخلفنا مقدسات يكفّر من يناقشها، علينا ان ندرك ان "المظلة" التي نظن انها تحمينا هي مظلة مهترئة ولا تحمي أحداً.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم