الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

موراكامي عن أدب طاولة المطبخ

رلى راشد
موراكامي عن أدب طاولة المطبخ
موراكامي عن أدب طاولة المطبخ
A+ A-

الجغرافيا والغرابة مُقتربان ملائمان للدنو من كاتب يُكبّ عليه النُقاد منذ عقود، على رغم مكوثه في بلاده البعيدة. الكاتب هو هاروكي موراكامي والبلاد هي اليابان التي لا تزال لُغزا بالنسبة لكثيرين، حالها حال من يقطنها.


ثمة تسليم تلقائي بأن الصمت والإصغاء قاعدتان لا حياد عنهما بالنسبة لليابانيين كما بالنسبة للكُتّاب الآتين من هذا الشطر الآسيوي. لكن الإيغال في نصوص تخصّ صوتاً مثل موراكامي يورّطنا في إحساس داهم مختلف لا يُفارق أعماله ويحيلنا على مناخ غير مكرور يدين بالكثير للمفارقة إلى العالم الغربي ومرجعياته، وإن لا ينسلخ تماما عن منبَتِه.
كتب موراكامي مرة "في مكان بعيد عن أي شخص أو مكان، غفوتُ للحظة"، في حين أن ما يشيده أدبياً لا يشبه الغفوة البتة. إنه على عكس ذلك تمرين يقوم على ثنائية الإتقاد والوعي.
في كل عام يتردّد إسم الياباني المنقول إلى لغات العالم في أروقة أكاديمية "نوبل" الآداب، فائزا محتملا بل وشبه مؤكد. وفي روايته "غابة نروجيّة"، يتصوّر قارئا نهما بهوية ناغاساوا طبقّ قاعدة لافتة تقوم على الإقتراب من الكتب التي أصدرها مؤلّفون توفّوا قبل أكثر من ثلاثة عقود فحسب، ذلك انه الصنف الوحيد من العناوين التي يسعه الوثوق بها. لم يكن ناغاساوا فاقدا للأمل في الأدب المعاصر تماما، لكنه أصرّ على عدم تبديد وقته الثمين في مطالعة كِتاب لم يحظَ بما يعاينه "معمودية الوقت"، آخذا في الحسبان ان الحياة وجيزة.


في حين أبدى ناغاساوا ريبتَهُ من الإصدارات الحديثة، جعل أسماء من قبيل كونراد ودانتي وديكنز وبالزاك تقطن صرح تفضيلاته الأدبيّة. هذا في التخييل، أما في أرض الواقع فارتبط موراكامي بعلاقة على خصوصية مع الأدب يروي مخاضها في نص يتصدّر روايتيه "لتسمع الريح مغنية" و"الكرة والدبابيس"، اللتين تصدرهما دار "نوف" بالإنكليزية في آب القادم. إنهما نصا البدايات، في سبعينات القرن المنصرم، الموكلان بتقديم كاتب ناشئ يشتغل في ناد للجاز.


والحال ان متابعي موراكامي يدركون ان حكايته الشخصية كما التأليفية، حيكت حول القطط والجاز. وبين هذين العالمين ألقى عناوين عدة لم تُحبط التطلّعات الأكثر طموحا. يساعدنا النصّ على فهم تبلور الموهبة ويبدأ من الدلالة على مسار موراكامي الذاتي المتناقض مع أقرانه اليابانيين. هؤلاء تخرّجوا من الجامعة ثم وجدوا عملا قبل أن يتزوجوا. أما هو فاختار دربا مختلفة لأنه تزوج ثم بدأ العمل ليتخرّج "على نحو ما"، على ما يكتب، في المحصلة. يزيد أن الترتيب الذي اعتمده عاكس تماما ما عُدّ طبيعيا من حوله.


ربما ليس النص الصادر بالإنكليزية تحفة أدبية بالمعايير التقويمية، غير انه يأتي بما تعذّر لمحه في ثنايا الأعمال التخييلية، أي عاديّة الكُتّاب. يخبر موراكامي ها هنا كفاحه الإقتصادي إلى جانب زوجته خلال الدراسة الجامعية، واقتراضهما المال من الأصدقاء والأقرباء بهدف التمكّن من امتلاك احدى الحانات الصغيرة في ضواحي العاصمة اليابانية طوكيو يرتادها الطلاّب وسمياها "بيتر كات". يشير انهما عملا كالرقّ - يستعين بهذه المقارنة - بغية تحقيق مأربهما. حصل ذلك في عام 1974. ولا يلبث موراكامي أن يشرح كيف تحوّلت احدى اللحظات الحاسمة خلال مباراة في البايسبول إلى إشارة جعلته يقتنع ان في وسعه كتابة الرواية. يصف الشعور بـ التجلي"، ونقرأ في هذا السياق "بدا شعور الكتابة غير مسبوق. أذكر درجة حماستي. كان مرّ وقت طويل منذ مررتُ قلم حبر سائل على الورق".


يلفت موراكامي إلى ان ولادة نصه "الكرة والدبابيس" تزامن مع إدارته نادي الجاز وعنى ذلك عمليا أنه أنجزه في ساعات الليل المتقدمة على طاولة المطبخ". يكتبُ "أسمّي هذين العملين -بينما يعتريني بعض الحرج- روايتيّ طاولة المطبخ. بعد فترة وجيزة على إكمال "الكرة والدبابيس" في 1972 عقدتُ العزم على أن أًصير كاتبا بدوام كامل وقررنا بيع النادي. أكببتُ عندئذ مباشرة على إنجاز روايتي الطويلة الأولى "ملاحقة النعجة الوحشية".


ربما تكون أكثر لحظات هذا النص التأسيسي أهمية هي تلك الباحثة في مفاهيم الأسلوب وحاجة الكتّاب إلى تجريب إمكانات اللغة في شتى الأنماط الممكنة، ذلك ان روح المغامرة هي الوحيدة الكفيلة بولادة الجديد.
وفي حين يعنّ على النقّاد ومنذ أعوام أن يحاولوا إيجاد مطرح لموراكامي بين مواطنيه من المؤلفين الكلاسيكيين، يأتي هذا النصّ ليدحض أي مغامرة في هذا السياق. نقرأ بلسان المعنيّ "يختلف أسلوبي في اليابانية عن أسلوب تانيزاكي وكواباتا. انه أمر طبيعي. في المحصلة، أنا رجل آخر، أنا كاتب مستقلّ يدعى هاروكي موراكامي".


يجزم الكاتب بكلمات بسيطة ان لا حاجة للتقليد بحثا عن التجديد.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم