الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ضومط في المستشفى منذ 26 عاماً... قصة تحدٍ

المصدر: "النهار"
نيكول طعمة
ضومط في المستشفى منذ 26 عاماً... قصة تحدٍ
ضومط في المستشفى منذ 26 عاماً... قصة تحدٍ
A+ A-

"هذه بصماتي أنا المخلّع الذي واجه مصاعب تطحن أشدّ الرجال... ليس سهلاً أن يواجه الإنسان ضعفه أمام جبال الآلام، لكنني سلكت طريق الإيمان والإرادة لأحقق ذاتي بعد طول حرمان"... هكذا أمضى الشاب المكافح ضومط منعم أكثر من نصف عمره في مستشفى "البترون" في الشمال لا يقوى على الحركة، مكبّلاً في فراشه وأجهزة التنفّس، باحثاً عن الأمل في أرجاء غرفة شهدت على أوجاعه وأحلامه. هو أسير حالة سَرَقت منه القدرة على الحركة منذ 26 عاماً، لكنها لم تسلبه إرادة الحياة.
ضومط من قرية أجدبرا - البترون، يبلغ من العمر 46 عاماً، تعرّض لحادث أثناء عمله حيث دقّت رافعة عنقه فأدّت إلى قطع نخاعه الشوكي، وإصابته بشلل تام وتعطّل جهازه التنفّسي.
قبل الحادث كان منعم كأمثاله من الشباب على مقاعد الجامعة، في سنته الأخيرة، يتخصّص في العلوم التجارية. وبما أن إمكاناته المادية كانت محدودة اضطرّ إلى العمل لدفع قسطه.
هل كان ضومط يوم 12 تموز 1989 على موعد مع الحياة أم الموت؟
في حديث مع "النهار" يجيب منعم بكل ثقة: "إنه تاريخ ذكرى الحادث المؤلم الذي راهن بعض الأطباء على نهايتي بعده، وقد غرزت عبارتهم في مسامعي: "لو مات كان أريح لنفسه، لأهله وللأطباء". ويتابع: "جوابي للأطباء كان 26 سنة من النضال والمغامرة، تحديّت فيها الموت بالإيمان القوي وبحبّي للحياة التي أستحقّها".
ويقول ضومط إنه لم يستسلم منذ اللحظة الأولى لواقعه المستجد، مع العلم أنه كان في مقتبل العمر يخطط لمستقبله ويسعى لتحقيق أحلامه وطموحاته". لكن شاء القدر أن يُبدّل مسار حياته باتجاه آخر، "فالاستسلام موت بينما التسليم لإرادة الله حياة".
يعود ضومط بالذاكرة إلى بداية معاناته، "رأيت الموت بعيني عندما توقّف قلبي عن الخفقان سبع مرات، إلى الإلتهابات الحادة التي أنهكت جسدي، فضلاً عن النزيف المستمرّ في الرئة وغيرها من الأوجاع".
بعدما استقرّت حاله، أكبّ ضومط على مطالعة الكتب التي شكّلت متنفسه الوحيد في دنياه المؤلمة. كان يستعين بوالدته التي كرّست حياتها له حيث جلست الى جانبه في المستشفى لترجمة أفكاره، مشاعره وتأملاته على الورق ثم جمعها ليصدرها في كتاب.
يشعر بفخر كبير حين يتكلّم عن كتاباته، مشيراً إلى أن في رصيده أربعة كتب هي: "مُخلّع على دروب الحرّية" عام 2000، "خبزاً للآخرين" في 2003، "مخاض السواقي" عام 2005، والكتاب الأخير "صدى السكوت" في 2013. بحث الشاب المناضل عن الحبّ والحرّية، وكتب من خلال تجربته الأليمة عن الصبر والأمل، وحبّ الحياة والمواجهة، والصراع والألم والإرادة، وكل ما اعتبر أنه رسالة قد تفيد الآخرين.


الجهاز حافز إلى الأمام
لا يتوانى ضومط في البحث عن وسيلة تسهّل تواصله مع عالمه الخارجي، وتساعده على تفجير طاقاته وأفكاره في الكتابة. اشترى عام 2012 جهاز كومبيوتر "بفضل مساعدة كثيرين، وأنا استخدمه بنفسي من خلال حركة العين، أي بالأشعة تحت الحمراء، فعندما تقع الأشعة على العين وتنعكس منها على الشاشة في المكان الذي أركّز النظر إليه يتقبّل الكومبيوتر الأمر ويُنفذه". هذا الجهاز مزوّد تقنيّة "تركلج" التي من خلالها أيضاً يطبع كلماته في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
هكذا توافرت بعض التجهيزات الخاصة بوضع ضومط التي سمحت له بالخروج من المستشفى، لو مرّة في الشهر، للمشاركة في نشاطات اجتماعية ومؤتمرات ومحاضرات في مراكز ثقافية.


"نعمة" في نظر والدته
ضحّت والدته جورجيت هاشم منعم وتركت أفراد عائلتها الآخرين لتبقى الى جانب نجلها المشلول في المستشفى ليلاً نهاراً.
كيف تواجه أم ضومط هذه المحنة وماذا تعتبرها؟
تقول لـ"النهار": "تجاوز ضومط محنته بإرادة فائقة، ولبس القوة والطاقة والعزيمة بروح ديناميكية مرحة. لا يعرف الخوف، ولا الانكسار، رغم الضائقة الجسدية الآسرة". ثمّ تتابع بتأثر: "هو انتصر على شلله بإعجاز من تعايش معه، بل أصبح جزءاً منه، هزئ به، تحداه وتذاكى عليه".
وأجابت رداً على سؤالنا: "أنا أعتبره نعمة، وقد كتب له الله عمراً بعد ذلك الحادث المخيف". وأوضحت: "إذا لم يكن المريض محاطاً بعائلة وأصدقاء يحبّونه، من الصعب أن يتأقلم مع واقعه وستزداد حاله سوءاً، من هنا شكّل وقوف الأصدقاء والممرضات إلى جانبه سنداً قوياً".
بدوره، لا يجد ضومط الكلمات الكافية كي يفي والدته حقها لما تقوم به من أجله: "أستمدّ قوتي من أمي التي لم تتخلّ لحظة عني، وكان دعمها النفسيّ قوياً ووقوداً للاستمرار والتحمّل والعطاء".
يسعى ضومط دائماً أن يظل ذاك الرجل المفعم بالحياة في داخله حتى وإن كان مكبّلاً. وهو يستمدّ من الضعف قوة، ويبحث باستمرار، من خلال آلامه، عن الحلم وعن الأمل وعن كلّ ما هو جميل في هذه الأيام الصعبة على الجميع.
[email protected]
Twitter: @NicoleTohme


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم