الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تسييس النصوص القانونية

المصدر: "النهار"
بول مرقص-رئيس مؤسسة JUSTICIA
تسييس النصوص القانونية
تسييس النصوص القانونية
A+ A-

تطل على اللبنانيين كل أسبوع أزمة يبتدعها السياسيون أو تكون ثمرة اخفاق هؤلاء: انقطاع المياه والكهرباء، تكدس النفايات، عقدة التعيينات...
أزمات ناتجة من سوء ادارة ومجرد تأزيم سياسي. لا اجتهاد في السياسات العامة ولا تنافس على الخدمة، بل على الاتهامات بالفساد والفشل.
وبينما يحتاج لبنان الى خطط استراتيجية في كل قطاع وتطوير في السياسات العامة لئلا يبقى قارباً مثقوبا على متنه تدور "عصفورية"، يتخبط فيه أهله وهم ثكالى، والقارب تتقاذفه الامواج ويرتطم بالصخور – المحاور شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. يهجره أهله الى سفينة أكثر استقراراً، الى بلاد أخرى متقدمة، ويصبح المقيمون فيه سكاناً لا يأبهون للشأن العام، بل يصطفون مع هذا السياسي أو ذاك، من دون تمعن وإلام يأخذهم "زعماؤهم، في تجربة مكررة، ولو بلا حديد أو نار هذه المرة؟ ويؤلمني تعبير "الساحة" للدلالة الى وطني لبنان، أي بمعنى الرصيف المشرع الحدود والفاقد الضوابط.
كل يتحدث عن الصلاحيات. كل يفتي في النصوص؛ حتى في قانون الدفاع الوطني، ليفقهوا اليوم، هل يجوز لوزير الدفاع تأجيل تسريح الضباط؟ وكيف؟ وإلام؟...
لا تقبل النصوص القانونية عموماً استنساباً سائباً في التفسير والتطبيق. أكثر ما ينطبق هذا المبدأ على النصوص الادارية، كقانون الدفاع الوطني، لئلا تترك لمتولي السلطة مجال الاجتهاد والتقدير.



كل اختلاف ما بين سياسيين في معرض النص لتصويره على انه غير واضح أو قابل للتأويل، هو تسييس وتلويث، وليس فقها دستوريا. من شأن هذا النمط من الاجتهاد السياسي السائب في النصوص، ترك فراغ وتخبط خطير ينعكس شللاً في المؤسسات وفي المرافق العامة، كما يحصل راهناً.
خلافاً للشائع في لبنان، قلما امكن الاختلاف في الفقه المقارن على تفسير النص. تفسير النص القانوني من سياسيين هو انعكاس لأهواء سياسية ليس إلاّ، فما هو غير قانوني اليوم في نظر البعض قد يفسر بأنه قانوني لو شاءت مصالحه السياسية ذلك مستقبلا، والعكس صحيح. والكل تقريباً مارس لعبة تفسير النصوص والتعطيل. لقاء هذا التأزيم يطلب الى اللبنانيين النزول الى الشارع كي يسهموا في المزيد من عرقلة الحياة العامة، فيا ليت المسؤولين غير المسؤولين – معظمهم على الاقل – يأبهون لقطع الطرق طالما لم يأبهوا لقطع أرزاق الناس.



تعاني انظمة كثيرة في العالم اليوم من استمرار متظاهرين ومعتصمين في حركاتهم الاحتجاجية لمطالب ليست في متناول اليد، مما يؤدي الى تعطيل الحياة العامة: فرنكفورت (2011 حتى 2012)، نيويورك (2011) واوكلاند – كاليفورنيا (2011). بمعنى آخر: يصبحون "مشاغبين".
ليس الامر مقتصراً على لبنان اذاً، الا ان التعامل مع هذا التجاوز في ممارسة حرية الرأي والتعبير يختلف باختلاف السلطات المعنية وسهرها على تطبيق القانون. فقد انهت السلطات في مدينة فرنكفورت الالمانية اعتصاماً على ابواب البنك الاوروبي المركزي. وفي الحادثة الاخرى المشابهة في نيويورك اعتقلت الشرطة قرابة 200 متظاهر احتلوا شارع Wall Street واستخدمت غازاً مسيلاً للدموع لتفريقهم.
ان ممارسة الحقوق مكفولة دستوريا وبموجب المواثيق العالمية لحقوق الانسان، الا ان هذه الممارسة يجب أن تكون هادفة ومحدودة، والا انقلب الحق Droit الى تعسف Abus. وهذا مبدأ ينطلق من "تحديد" الحق Définir وفق المفهوم اللاتيني لعبارة de – finis التي تعني "ترسيم الحدود" Tracer les frontières. وهذا ما ينطبق على حرية التظاهر.



فهل نرجع نحن اللبنانيون على اختلاف انتماءاتنا السياسية، الى القواعد الدستورية الناظمة لحرية الرأي والتعبير بدل أن نبقي بلدنا "ساحة" للتظاهر والاعتصام وقطع الطرق، ومؤسساتنا مجالا للتعطيل، وهذا الامر الاخير ليس من الحق في شيء؟ عوض كل ذلك، فلنتظاهر لانتخاب رئيس جمهوريتنا حتى لا تضيع الرئاسة والجمهورية معاً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم