الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

لائحة شرف في مواجهة الجريمة الكبرى

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

أيها الأحرار؛


القتلة، من كلّ جانب، يمعنون في إيصال الجريمة إلى الذروة، أو إلى القعر. الآن، هو وقت الوقوف الشجاع والذكيّ في وجه هذه الجريمة. فاستدرِجوها بحكمة، أو اذهبوا إليها، كما تفعل النبتة الصغيرة، في محنة العاصفة. صحن المواجهة، أو صحن "الثأر"، يؤكل على نار باردة، على ما يقول المثل الفرنسي. لا يُنتقَم من عاصفة الجريمة إلاّ بهذه الطريقة. كلّ مَن يؤمن بأنه معنيٌّ بهذه المواجهة، فليسجّلْ اسمه في لائحة، ستكون معتبَرةً في يومٍ من الأيام لائحة الشرف المطلقة.
المسألة لا تحتمل المراوغة والتسويف، ولا الانتظار حتى تنقشع غيوم المنطقة. أطمئنكم أن الغيوم لن تنقشع الآن، ولا في القريب، لأن الزمن "القيامي" طويلٌ بل طويلٌ جداً، والخراب لم تكتمل فصوله بعد في البلاد العربية. اذهبوا إلى السينما، لتشاهدوا كيف تكون أزمنة القيامات. في الكتب، في كتب الرؤيا، والشعر، كما في الروايات، نصوصٌ مذهلة تروي ما يمكن أن تعتبروه نسخةً طبق الأصل عما يجري في البلدان العربية والإسلامية. قد يكون ما يجري، الآن، أكثر إرهاباً و"إبداعاً" مما في الكتب والسينما والفنون كلّها على السواء. راقِبوا ما يجري في لبنان وسوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس... وفلسطين. إنها السينما القيامية، لكنها مصوَّرة على أرض الواقع، وملتقطَة بعينه، وبعدسته. إنها أيضاً الكتب القيامية، وفنون الموت القيامية، مكتوبةً بفجائع البشر والأمكنة. فليصدِّقْني اللبنانيون الواهمون. لم تعد المسألة مسألة رئيس للجمهورية، ولا مسألة مؤتمر تأسيسي، ولا مثالثات فحسب. إنها خصوصاً لهاثات المسعورين الجهنميين للالتحاق بمشهد الخراب الأخير. ما أكثر هؤلاء. وما أشد الاقتراب من هذا المشهد!
قد يسأل سائلٌ من القرّاء، ما "طبيعة" لائحة الشرف هذه، ومَن تضمّ؟ الجواب: إنها اللائحة التي يرفعها أصحاب الكرامات العقلية، وتضمّ جميع الذين لا يوافقون على ما يجرّنا إليه قادة الموت والغرائز والعصبيات، وأنفارهم.
لا أستثني أحداً، ولا جهة. سمّوا معي: نظام الملالي و"حزب الله"، اللذان يصادران الشيعة؛ النظام الخليجي الوهّابي؛ النظام التركي الإسلاموي؛ التكفيريون والظلاميون والإرهابيون الذين يسرقون السنّة، وهم جمهرات "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" (و"الأخوان" أيضاً)؛ فلول النظام البعثي الأسدي؛ والأتباع اللبنانيون والسوريون والعراقيون واليمنيون والليبيون والتونسيون والمصريون والفلسطينيون. هل يجب أن أنسى الصهيونية التي تتحقق أهدافها تدريجاً من ضفاف الفرات إلى ضفاف النيل؟!
يقال في زمنٍ كهذا، إن أهل الحكمة والشجاعة الروحية ينكفئون أمام عاصفة الجريمة، وصعود آلهة الغرائز والطوائف والمذاهب للإشراف على المقتلة الأخيرة. هذا صحيحٌ، إذا استشهدنا بأمثلة كثيرة، غابرة وحديثة. ففي مثل هذه الحال، يتساقط كلّ شيء تقريباً. لا يبقى حجرٌ على حجر في بنية العقل، ولا في بنى الدول ومؤسساتها. ثمة صرخةٌ واحدة مسموعة، يهرع إليها زبانية الموت والتخلف والعماء والظلام والمال والتنطح، ليؤلفوا قطعاناً حاشدة، لا تُعرَف لها بداية ولا نهاية. هي صرخة الموت من طريق القتل الهمجي.
لكن الصحيح أيضاً، والمطلوب، هو اختراع سبل المواجهة الشجاعة والذكية، على أرض المواجهة، التي تمتد من هنا إلى آخر بقعة ظلامية استبدادية متخلفة في العالمَين العربي والإسلامي.
أيها الأحرار؛ نحن معنيون حضارياً وثقافياً ووجودياً بما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس وفلسطين، مثلما نحن معنيون بلبنان. لأهل الكرامات العقلية، الذين يرون أن الانكفاء هو عين الصوب، أقول: انكفئوا، لكنْ لاستدراج العاصفة إلى مواقعكم الحصينة. هناك، هناك فقط، يمكن ضربها في عقر نخاعها الشوكي.
أطالب خصوصاً، المثقفين اللبنانيين والسوريين والعراقيين، لأنهم فضاؤنا الأقرب والأخطر، باستدراج عاصفة الجريمة، إلى الفخّ العقلي والواقعي، الذي يجب أن يوقعها في المصيدة.
في العدد الفائت من "الملحق"، كتبتُ أني لم أعد أريد رئيساً للجمهورية. ففي الجمهورية المحتلة من الداخل، لا معنى لوجود رئيس يدير الاحتلال ويخنع له! وفي الجمهورية التي يمعن أهلها في نحرها، كلٌّ على طريقته، لا يعود ثمة معنى لأيّ مطلب جزئي، وإن كان ملء الفراغ الرئاسي، وهو قلب الجمهورية.
المواجهة الشجاعة والذكية هي الحلّ، وذلك باستدراج الجريمة إلى حيث لا يعود في إمكانها أن تواصل فعلها المشين. ثمة مواقع ملموسة كثيرة للمواجهة المتواصلة، الراهنة، والبعيدة الأمد؛ في مقدّمها، ودائماً، أرض لبنان وسوريا والعراق، وأحرارها. هنا أيضاً، على صفحات هذا المنبر، يمكنكم أن تجدوا موضعاً معنوياً وثقافياً مشرّفاً لهذه المواجهة. هذا أقوله للمثقفين الأحرار اللبنانيين، مثلما أقوله للسوريين والعراقيين خصوصاً، ولا بدّ من اليمنيين والمصريين والتونسيين والفلسطينيين وسواهم. هذا الهلال الشرقي الخصيب، هو موئل حضاراتنا المهددة بالانقراض. الانحطاطيون الإسلامويون، من ظلاميي السنّة والشيعة، مع فلول الأنظمة الديكتاتورية، وقوى الإرهاب والتكفير، ومن لفّ لفّهم من أتباع وزبانية وأقليات عرقية وإثنية ودينية، هؤلاء هم قوى الجريمة. ولا استثناء.
كلما سنحت لكم فرصة، أو موقعة، عليكم أن تستدرِجوا الجريمة إلى الفخّ. هذه هي طبيعة لائحة الشرف، ويجب أن تضمّ مَن ينضمّ إليها. ولا هوادة. ولتكن الضربة موجعة: هي لا تقتل إلاّ إذا وجّهتموها إلى عقر النخاع الشوكي. هكذا فقط يُثأر للشعوب والأوطان، ابتداءً بلبنان وسوريا والعراق، وهكذا فقط يُنتقَم من الجريمة. فاثأروا وانتقِموا... قبل فوات الأوان!
أيها الأحرار؛ لبنان في خطر نهائي. شأنه شأن سوريا والعراق. فلسطين بالطبع وبالتأكيد. هذه البلدان الأربعة هي قلب الشرق الأدنى، وهي محور المواجهة الثقافية والوجودية الحقيقية. لا مجال للاختباء وراء أيّ حقيقةٍ أخرى.
يهمّني أن أنهي هذه الافتتاحية بما قاله بول فاليري يوماً عن الجرائم، وعمّا يمكن أن ينطبق، احتمالاً، على بعض أهلنا، وفي مقدمهم بعض المثقفين والمناضلين الأحرار، من جرائم "سرية"، لا تبصر النور: "الأسباب" التي تجعل المرء يمتنع عن ارتكاب الجرائم مدعاة للخجل أكثر من الجرائم نفسها.
التعب، اليأس، السكوت، التطنيش، الانتهاز، الهرب، التغافل، التعوّد، التواطؤ الساذج، أو الانضمام سرّاً وبالواسطة إلى قافلة الجريمة، قد تكون هي هذه "الأسباب". فلا تجعلوا منها سبباً موضوعياً إضافياً يساعد المجرمين السفلة على الإيغال في جريمتهم اللبنانية، السورية، العراقية، العربية، الإسلامية، الشرقية، هذه!
لائحة الشرف تنتظر. المسألة لا تحتمل المراوغة والتسويف. أما الضربة ففي قعر النخاع الشوكي. فهي وحدها الضربة القاضية!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم