الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

رسائل الجولاني: غزل للأقلّيات وتعارض مع "داعش"... لماذا لم يُظهر وجهه؟

المصدر: "النهار"
محمد نمر
رسائل الجولاني: غزل للأقلّيات وتعارض مع "داعش"... لماذا لم يُظهر وجهه؟
رسائل الجولاني: غزل للأقلّيات وتعارض مع "داعش"... لماذا لم يُظهر وجهه؟
A+ A-

لم يكشف أمير "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني عن وجهه، ولم يعلن فكّ ارتباطه بتنظيم "القاعدة" بزعامة أيمن الظواهري كما كان يتمنّى البعض. ففي إطلالته الثانية على قناة "الجزيرة" كان هادئاً، يبحث عن كلام يطمئن فيه المجتمع الدولي والمشاهدين، يحاول الخروج بخطاب مختلف حول الأقليات ويجهد لاقناع الناس أن "جبهة النصرة" مختلفة عن "داعش".


توقيت المقابلة
أتت مقابلة الجولاني في وقت بدأ فيه العالم يتخوّف من تقدّم تنظيم "الدولة الاسلامية" بعد سيطرته على الرمادي وتدمر، وسط عجز دولي عن كبحه، وفي وقت تتقدّم فيه المعارضة السورية أيضاً بعد سيطرتها على ادلب بواسطة "جيش الفتح"، وتهديد معقل النظام السوري في اللاذقية، إضافة إلى حديث عن سيطرة النظام على 25% من مساحة سوريا فقط. ويقول أحمد بان، الباحث في شؤون الحركات الاسلامية، لـ"النهار" إن "توقيت مقابلة الجولاني كان مهماً جداً لناحية تعقيدات الساحة السورية في هذه الفترة، كما أن ظهوره على شاشة الجزيرة له دلالاته الاقليمية".
أما الخبير في الجماعات الاسلامية حسن ابو هنية فيرى أن توقيت المقابلة يأتي "في ظل الدعم الذي حصلت عليه "النصرة" رغم نفي الجولاني هذا الامر"، ويقول: "لم يعد سراً ازدياد حجم دعم دول اقليمية للجبهة الأمر الذي أدى إلى تشكيل "جيش الفتح"، وما إطلالته عبر قناة الجزيرة إلاّ تعبير عن الثقة بقطر".


رسائل الجولاني
نقل الجولاني رسائل عدّة، كانت غالبيتها موجّهة للاقليات في سوريا، فحاول أن يعطي العلويين فرصة الأمان بأنهم سيكونون بمأمن في حال "تبرّؤهم من النظام وعودتهم إلى الاسلام"، وإذا قاموا بذلك "سيكونون إخواننا"، مستنداً إلى تجربته مع الدروز بأنه يحميهم في مناطقهم. اما للمسيحيين فحاول أن يُظهر الاختلاف بينه وبين "داعش"، بتلميحه إلى أن "النصرة" لا تقتل المسيحيين ولا تفرض عليهم الجزية، بل "نقاتل من يقاتلنا فقط". وإلى عموم المسلمين ومن يتّهم "النصرة" بالتكفير، كان الجولاني واضحاً بتأكيده أن جماعته لا تكفّر المسلمين، وهذا الأمر يحتاج إلى فتوى ودليل شرعي.
أمّا نصيب المجتمع الدولي من كلام الجولاني، فقد حاول طمأنة الدول الغربية بطريقة غير مباشرة، بأنه لن يسلك طريق "داعش"، قائلاً: "لن نستخدم الشام كنقطة لمحاربة العالم"، ورغم اعتباره أن القرى الشيعية في حلب (نبل والزهراء) من قرى الحرب، حاول أن يزرع الطمأنينة في نفوس عناصر النظام بقوله إن "النصرة ستُخلي سبيل أيّ عنصر يتبرّأ من النظام والقتال معه ويعود إلى عائلته، حتى لو كان متورطاً بقتل عناصر من النصرة".


تطمين العالم
ويقرأ أحمد بان هذه الرسائل "بأنها محاولة من الجولاني لتطمين العالم، وخصوصاً في حديثه عن النصارى، وأنه ينطلق من الشرع، فضلاً عن إبقائه الخيارات مفتوحة في حال استمرت أميركا بضرب النصرة لاعتبارها إرهابية". ويضيف: "أراد الجولاني أن يؤكّد أنه لا يزال في حال من البيعة لزعيم القاعدة ايمن الظواهري، مؤكداً تعارضه مع تنظيم الدولة الاسلامية".
ويتوقف عند كلام الجولاني عن الدعم المالي للنصرة، إذ أوضح في المقابلة انه يعتمد على الغنائم والتجارة، وعلى دعم من عامة المسلمين (تبرعات) وأنه لا يتلقى اي دعم من أي دولة لأنه سيكون مشروطاً، ويعتبر بان أن "الجولاني حاول ان يقول ان النصرة حركة جهادية تحظى بدعم من المسلمين في العالم من دون ان يذكر دولاً معينة، أو يحاول ان يغطيّ على هذا المعنى".
أما بالنسبة إلى ابو هنية فإن "الجولاني قدّم التطمينات ليُظهر حجم اختلافه عن داعش وعن تنظيم القاعدة نفسه، والمشكلة أنه يحاول أن يقدّم تطمينات وهو غير قادر على إنجازها، فلا اعتقد انه قادر على ضبط أتباعه، فهو ليس كتنظيم "الدولة" المركزي الذي لديه ادارة صارمة ولا مجال لديه للتمرّد على الاوامر".


"غير قادر على التكيف"
ويعتبر ابو هنية ان "المقابلة كشفت ان التنظيم غير قادر على التكيّف بحسب رغبة الدول العربية وتركيا والولايات المتحدة الاميركية، لأنه لا يزال يؤكد ارتباطه بتنظيم "القاعدة" في حين يحاول أن يقدّم ما هو مختلف عن التنظيم".
ويلاحظ أبو هنية ان "الجولاني يستشعر نوعاً من القوة، ويظن أن هناك تقدماً، لكنه يتعرض لمشكلة مزدوجة، فهناك مطالبة خارجية من الأطراف الراعية بمزيد من التكيّف والاعتدال، لكنه الآن غير قادر على احداث هذا التكيّف، لأنه سيخسر الحضانة الشعبية وكثيرين ممّن هم في صف "النصرة"، مذكراً بأن "جماعة الجولاني ليست كياناً متجانساً، ففي "النصرة" هناك تيار متشدد وآخر اقل تشدّداً".
ويوضح أن "التكيّف يعني دخوله في حرب ضد تنظيم "داعش"، وهذا ما تطلبه منه الدول". ويرى أن "ليس هناك تحول كبير في كلام الجولاني، فهو يحاول ان يرضي جميع الاطراف، لكنه لا يرضي احدًا".


الحاضنة الشعبية و"النصرة" المعتدلة؟
وأشار أحمد بان إلى أن "الجولاني يحاول أن يكسب الحاضنة الشعبية التي مكّنت "داعش" في اماكن اخرى من تحقيق الانتصارات، وأن موقفه في مواجهة الأسد و"داعش" لن يتطور من دون حاضنة شعبية في المناطق التي يريد ان يدخلها. لذلك هو يحاول أن يغازل شرائح لا زالت بعيدة عن النظام وعن داعش لبناء حاضنة اجتماعية أوسع تمكّنه من أن يحظى بتأييد أكبر".


ويعتبر كثيرون أن كلام الجولاني لا يشبه خطاب "القاعدة" الشهير، ويعيد بان السبب إلى "دخول المكوّن الاخواني في النصرة محاولاً ابراز هذا الفصيل الجهادي لتحسين صورته المشوهة التي عكسها تنظيم الدولة الاسلامية، ويريد ان يقدّم النصرة على أنها مكوّن جهادي اسلامي معتدل".


القلمون و"حزب الله"
وقدّم الجولاني مساحة كبيرة لمعركة القلمون، فوجّه رسائل عدة إلى لبنان واللبنانيين، وحاول ان يؤكد ان لا خطر على اللبنانيين، بل على "حزب الله"، وأن المعركة ليست محورية، وان أهمية القلمون الاستراتيجية لا تكمن في ملاصقتها للبنان، بل لأنها من محاور الهجوم على دمشق، رابطاً مصير حزب الله بالنظام السوري وليس بمعركة القلمون التي يعتبرها "حرب عصابات"، وانه يقاتل بما تيسّر من مقاتلين هناك.
ويرى أبو هنية "وجود نوع من غرور القوة لدى الجولاني في هذا الكلام، ويُطلق أحكامًا لا علاقة لها بفهم الواقع، فهل يتبخّر "حزب الله" إذا سقط النظام؟ ومحاولة استخدامه ضد "داعش" زادته غروراً".


لم يظهر وجهه؟
لماذا لم يظهر الجولاني وجهه؟ يجيب بان: "من الواضح أن هناك ضرورات أمنية دفعته إلى ذلك، خصوصاً ان في سوريا مجموعات عسكرية كثيرة وغالبيتها مخترقة ومن السهل رصده، وقد أعطى بذلك رسالة سلبية بأن انتصاراته التي يتحدث عنها ليست بالمستوى الذي يعنيه وإلا لكان اظهر وجهه وتحدث بدرجة أكبر من الشفافية".
أما ابو هنية فيعتبر "الامر مضحكًا"، فالرجل ركز كاريزمته على عدم كشف وجهه، والأمر يرتبط بنهجين، الأول هو نهج "القاعدة" في كشف الوجوه، أكان اسامة بن لادن أو الظواهري او غيرهما، وبين النهج الامني الاستخباري في عدم كشف الوجوه الذي تنتهجه قيادات "الدولة الاسلامية" (باستثناء الخليفة البغدادي)، وهو حائر في استخدام اي من النهجين".


[email protected]
Twitter: @mohamad_nimer

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم