الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

على من تقرأ... مساميرك؟

المصدر: النهار
بقلم زيـاد بـارود
على من تقرأ... مساميرك؟
على من تقرأ... مساميرك؟
A+ A-

منذ حملني القلم إلى هنا تعبيرا عن سخطٍ أو فكرةٍ أو أملٍ أو رأي، ويطالعني أصدقاء كثر، سائلين بصيغة "على من تقرأ مزاميرك يا داود" (أو "بارود" إذا شئتم، بتصرف)، عن جدوى التعبير والكتابة، وكأنهم يأسفون للوقت الذي أمضيه مرتكبا بضعة أسطرٍ يعتقدون غالبا أنها لن تقدّم ولن تؤخّر، بمعزلٍ عن صوابيتها أو غرابتها أو حتى تفاهتها. وهم في ذلك على حق. فالزمن ليس زمن كتابة ولا هو زمن رأي. لا القراءة تلغي أزمةً مستعرة ولا تغريد مقالةٍ يعيد سربا تائها. لا البلد وطن بحقّ، ولا ناسه مواطنون بحقوق. هم على حق: لماذا نكتب؟ وعلى من نقرأ، عذرا من داود النبي واستعارةً منه، مزاميره المرنّمة؟


في زمن الرأي الواحد المكتفي بذاته، يُخطئ منّا من يعتقد أن تكوين الرأي العام لا يزال يعبر إلزاميا بعصف الأفكار، جيّدها وسيّئها وما بين الإثنين من هوامش. يُخطئ منّا من يظن أن حضرة الرأي العام ينتظر عند منعطف افتتاحيةٍ أو مقالةٍ أو عامود ليدعم موقفا أو ليُسقطَ آخر. يُخطئ منّا من يعتقد، بشيء من الشاعرية التاريخية، بأن قلما يستطيع أن يقاوم مخرز التطرّف الأعمى والظلامية السوداء. ومع ذلك، لا يزال بعضنا يكتب لا لشيء إلاّ للتعبير عن ممانعة متعدّدة الأوجه. يكتب ولا يدّعي في الحقيقة إطلاقها. يكتب ولا يرفع الرأي واحدا أحدا.


هذه الممانعة هي مقاومة. ومن قال إن الاحتلال يقتصر على الجغرافيا؟ هذه الممانعة هي شكل من أشكال رفض السقوط في مستنقع الاستسلام لأمر واقع ولو كان الأقوى. هي ممانعة بوجه صحراء يريد البعض لنا أن نجتازها لنواكب أيام المحن الإقليمية التي نعبر. هي ممانعة بوجه الاكتفاء بالتفرّج ريثما تمرّ العاصفة، فيما نحن في عينها. ولذلك، فإن المزامير لا بدّ وأن تُقرأ، بتنوّع الأصوات التي تُغني ولا تلغي.


على موقع "تويتر"، ثمة داود آخر، لا ينتمي إلى العهد القديم ولا إلى أي قديم، ينشر بين الحين والآخر لذائعهالمحبّبة بعنوان #مسامير_داود. ربما كان من الأجدى فعلا أن نستبدل قراءة المزامير بقراءة المسامير. مسامير لا بدّ وأن تُدقّ، يوميا، وبلا هوادة، في نعش نظامٍ مهترئ لم يقم، مثلا، بمراجعة نقدية لوثيقةٍ مرجعية بنى عليها جمهوريته... نظامٌ أضعف مناعتنا حتى بتنا لا نكتب ولا نقرأ، وإذا ما فعلنا، تأسّفنا للوقت الضائع كتابةً أو قراءة.نظامٌ أحلّ استيراد الأفكار –والمواقف- محلّ صناعتها وطنيا. صدق وأصاب المخضرم سمير عطاالله في افتتاحيته يوم أمس "إمّا روما وإمّا القيصر". قال خاتما: "صحيح أن الربيع لا تصنعه سنونوَة واحدة، ولكن أيضاً لا تصنعه ألف سنونوة تنقّ، بدل أن تغرّد". كيف ننتقل من النقّ إلى التغريد؟ كيف ننتقل من وصف الواقع المأزوم إلى التحليق فوقه لنرى المدى الواسع والأفق الأوسع؟ نحمل محنة التاريخ ولعنة الجغرافيا، وإنما نحمل أيضا وخصوصا نهائية لبنان وضرورته ورسالته وفرادته وفرصته كنموذجٍ للتنوّع ضمن الوحدة. ومن ثَمّ، نناقش ما شئتم في آليات الحكم عندنا...


في هذا الوقت الضائع بالذات، بين تطرّف وتحوّل، لا يحق لنا ترف الامتناع. علينا واجب الممانعة. وعلى ذلك سنستمرّ نقرأ... مساميرنا والمزامير...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم