إلى عصام بريدي

لا أدّعي معرفة، معرفتك. وهذا أفضل. لأنّ الألم كان ليكون أكبر. لكنّك عرّفت عن نفسك بنفسك في أعمالك. قد لا تكون الشاب الوحيد الذي يخطفه الموت في ريعانه، من أهله، من أحبّائه. وقد لا تكون الأخير، للأسف. لكنّها ربّما الأضواء هي التي تجعل التعاطف أوثق، مع نجوم شاشة نظنّ أنّنا نعرفهم، من غير أن نعرفهم. والأكيد، أنّ القلوب، وقت المصاب، تتمدّد وتنبسط لتعانق بعضها بعضًا.
تريّثنا في التصديق، لأنّنا لم نشأ، لأنّنا لم نقدر. لكنّ الموت أصدق. باغتك، باغتنا. استغفلنا في نومنا، سرقك خلسة من أحضان الفجر، ولم يُكتب لك نهار. كيف بلحظة رماك الموت على قارعة الطريق؟ كيف كنت تسير فصرت تطير؟ كنت تتنفّس، لم تعد... قبل دقائق فقط كنت حيًّا، بعد دقائق فقط صرت ميتًا. كيف انقبلت الحال، وتدهورتْ كسيّارتك، من فرح وسهر إلى موت وسكون؟ كيف بكتك السماء أوان الرحيل، وعند الوداع ابتسمت لك الشمس؟ كيف همدت فجأة؟ كيف صرت تابوتًا؟ كيف عُلّقت في صورة؟ كيف عُلّقت صورك؟ بسقطة واحدة تمّ ما تمّ. بأسرع من السرعة. لم تقاوم، لم تستمهل الوقت بعض الوقت. ولم يمهلك الموت. بسقطة واحدة صرعك. أنهى كلّ شيء ورحل. ورحلتَ. فاستفاق النهار على فجر مظلم، ظالم.
زفّك الموت عريسًا. لك العرس، لك الفرح، وللباقين بعدك أسف على غيابك شابًّا، مجبولاً بدمعة، بغصّة لا ترحل برحيلك. رثاؤك هو رثاؤنا من بعدك. هل نصدّق أن ابتسامتك لم تعد ابتسامتك؟ سيحتاج الجرح إلى وقت كي يبرد. الآن ينزف. غدًا ترتقه الأيّام فيصير ندبة معصوبة على جباهنا، تمامًا كجبينك المكلّل بالموت. رؤيتك الأخيرة ماثلة في عيوننا. هذه أبت التصديق. القلب لا. العقل لا. كيف ترحل مكتّف اليدين؟ كيف ترمى فوقك الورود؟ هل هي زادك في الرحيل؟ كيف يُكَمّ الأنف ويُعصب الجبين؟ ليست العين التي رأت هذا كلّه ما يدمع، هو القلب. الدمع دموع، والحزن حزن بعد حزن.
إذا كان موتك حياة، فإنّ حياة ذويك لن تعود حياتهم. الما بعد ليس الما قبل. قلب أبيك لم يعد يخفق كما السابق، على إيقاع الحزن دوزن ضرباته. دمع أمّك ما عاد دمعًا، غدا دمع ثكلى. شقيقتك صار لها شقيق واحد، وحيد. أمّا أخوك فيداوي ألمه بأمله، حزنه بفرح ورجاء، بفرح الرجاء. يتحايل على الضعف بالقوّة، بقوّة. أخوك وسامٌ معلَّق على صدر الأخوّة الحقّة.
[email protected]