الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كانوا يعلمون بخطورة حال إدمون لكنهم لم يتوقعوا هذا المصير: "بعد بكير يا إمي"

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
كانوا يعلمون بخطورة حال إدمون لكنهم لم يتوقعوا هذا المصير: "بعد بكير يا إمي"
كانوا يعلمون بخطورة حال إدمون لكنهم لم يتوقعوا هذا المصير: "بعد بكير يا إمي"
A+ A-

يسقطون على الحدود. يسقطون في أحياء التطرّف والإرهاب. يسقطون في المربّعات الخارجة عن سيطرة الدولة. يسقطون فنتذكّرهم اليوم، وننسى غداً أنهم استشهدوا لدحر الطامع والمحتل، وأنهم استشهدوا لنحيا بأمان، وأنهم استشهدوا دفاعاً عن وطن قرأنا عنه الكثير ولم نعش في ربوعه يوماً، وأنهم استشهدوا دفاعاً عن وطن ودولة ومؤسّسات.


هم الدولة، هكذا نطلق عليهم. نحيّيهم على الحواجز وننده لهم: "يعطيك العافية يا وطن". لكن أيّ وطن؟ إنه وطن مافيات السلطة، وسلطة العشائر، ووحشيّة الفساد. إدمون سمعان اسم جديد يضاف إلى لائحة شهداء الخدمة. إدمون سمعان شاب تحوّل صورة تحتضنها سوزان وتقول: "بعد بكير يا إمي. شو كان بدّك بها الطلعة".


كيف وقعت الحادثة؟
منتصف ليل أمس الأربعاء، استشهد الرقيب الأوّل إدمون سمعان متأثراً بجروحه. لفظ إدمون أنفاسه الأخيرة بعدما اخترقت رصاصة رأسه. رصاصة خرجت من فوّهة سلاح متفلت في يد عشائر البقاع المحمية من مافيات تهريب مخدّرات. استشهد إدمون وهو يؤدي واجبه الذي أقسم اليمين على القيام به كاملاً.


أمس نفّذ مكتب مكافحة المخدّرات المركزي في وحدة الشرطة القضائيّة مداهمة في البقاع الشمالي، لإلقاء القبض على أحد المطلوبين الخطرين بجرم تجارة المخدّرات. وبعد تنفيذ المداهمة التي صوّرها فريق عمل برنامج "بالجرم المشهود"، تعرّض عناصر الدوريّة لإطلاق نار في كمين نُصب في بلدة الحموديّة المواجهة لبريتال. وقبل أن تأتي المؤازرة، أصيب سمعان ثمّ استشهد لاحقًا متأثراً بجراحه، كما أصيب رتيب آخر من المكتب.


خدمة حتى الشهادة
تختلف الطلعة إلى بريتال عن الذهاب إلى الجمّيزة. هناك لا توجد مرابع للسهر بل عشائر وتجّار مخدّرات ومجرمين خطيرين. هناك حتى الجيش يتعرّض لإطلاق نار. هناك ليس الموقع المناسب لتصوير ما قد يجذب المشاهد. هناك وضع إدمون ورفاقه حياتهم على كف وحملوا سلاحهم في الكف الآخر.


دخل إدمون إلى السلك منذ أربع سنوات، خدم في معهد قوى الأمن ومكتب مكافحة المخدّرات. حاز على كثير من الأوسمة كان آخرها وسام الاستشهاد. كان مندفعاً، طموحه جلب المطلوبين، والقبض على المجرمين، وتنفيذ المداهمات، بحسب ما يؤكّد رفيقه أنطوني باسيل لـ"النهار": "نحن رفاق منذ صغرنا، نعيش في المنطقة نفسها، دخلنا إلى قوى الأمن الداخلي معاً، وخدمنا في الفصيلة نفسها. علمت خبر استشهاده فجر اليوم، لفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى".


نجا إدمون من الموت منذ سنتين، كان يشارك في مداهمة على طريق المطار مع مكتب مكافحة المخدّرات، وتعرّضت الدوريّة للنار. لكنّه هذه المرّة لم ينجُ، اخترق الرصاص جسده.دخل إلى قوى الأمن لمكافحة هذه الآفة التي تفتك بالناس، ولا تفرّق بين كبير وصغير. يقول بول قدوم: "كان يحبّ الخدمة لكن المكافحة خطرة. كان يحبّ المغامرة ولكنه في النتيجة استشهد".


ما نفع التضحية!
عند السابعة وصل خبر استشهاد إدمون إلى أهله. كانوا يعلمون بخطورة حاله ولكنهم لم يتوقعوا هذا المصير. "مات بعزّ شبابه. 27 سنة. بعد بكير يا إمي. شو كان بدك بهل طلعة لفوق". كلمات تردّدها سوزان المفجوعة، ويسمعها الشقيقان رامي وجو المصدومين. رياض يجلس صامتاً والدموع تنهمر من عينيه يتذكّر بكره. لقد خرج ولم يعد. يعيش الأهل صدمة، يمرّون بحالة إنكار. لم يصدقوا إلّا بعد وصول نعش إدمون إلى البترون.
"آدمي. قلبو طيب. الضحكة بتضل ع وجو. قبضاي". صفات يردّدها الأصدقاء ولكنها لا تعزّي العائلة. ما نفع البطولة والبسمة والشبوبيّة، وأدمون قد رحل؟ ضحّى في سبيل الوطن وبناء دولة ومؤسّسات، سراب الصحراء ربّما أكثر واقعيّة منها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم