الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مرثية إلى لامبيدوزا... و"تايتانيك"

راجح الخوري
A+ A-

بدأت المأساة البشرية منذ العصور السحيقة وهي تستمر الى الأزل، فبين الموت المؤكد والموت المحتمل فارق بسيط هو مجرد نافذة إحتمالات، نافذة قد تُفتح على إحتمال الهلاك لعبور بوابة الموت المؤكّد، وقد تُفتح على إحتمال الخلاص لإجتياز عتبة الموت المحتمل، الى أمل في حياة افضل.


"الأمل في حياة أفضل"؟
عند هذا المفترق غالباً ما يعقد اليأس رهانه المصيري، فبين البقاء في أرض الحياة المقفَلة موت مؤكّد، والقفز الى أمل فوق قارب أشبه بتابوت أو الى موت محتمل لكنه قد يخفي نافذة خلاص، ماذا تختار يا سيدي وأنت ذرّة يأس مسحوقة على شاطىء الموت البطيء والمتراكم، تختار إحتمال الخلاص طبعاً لأن الحياة تصبح أحياناً مجرد إحتمال ولو دونه الموت!
تربص الموت دائماً بالضحايا في تلك المسافة بين "الموّتَين"، المسافة التي يقفز اليها اليائسون بحثاً عن حياة أفضل، وسواء ماتوا في الصحارى البعيدة وراء السراب، أو ماتوا في الأدغال الوحشية أمام الجبال المغلقة، أو ماتوا في قوارب كالتوابيت في بحار الأحلام المكسورة، يكونون في الطريق الى ما هو "أفضل"، فإن وصلوا الى الضفة تكون لهم حياة أفضل وإن لم يصلوا يكون لهم موت أفضل من الحياة، فيا للقسوة!
يا للهول المعربد عند شاطىء لامبيدوزا وفي بحر إيجه، ويا للصراخ الأبدي لضحايا القوارب الفيتنامية في أعماق لجج بحر الصين، وهل يختلف الأمر بالنسبة الى عشرات اللبنانيين الذين ركبوا الإحتمال بحثاً عن حياة أفضل، فكان لهم موت فخم عام ١٩١٢ في شمال المحيط الأطلسي عندما إبتلعتهم الأعماق مع "تايتانيك"؟
عندما قال القديس أوغسطينوس "إن البحار ملأتها دموع الذين سبقونا"، كان يتحدث عن الحزن البشري المطلق، وآخر فصوله هذه الأيام مئآت البؤساء الذي يبتلعهم المتوسط وهم يقفزون من شواطىء الشمال الإفريقي الى إحتمال الموت، أملاً في الوصول الى الضفة الإيطالية او الإسبانية او اليونانية، يقفزون الى الحطام المتهالك مذعورين ينوحون على رفاق لهم قفزوا قبلهم ولم تصل سوى أخبار موتهم في الأعماق، لكنهم لا يترددون يقفزون الى الإحتمال لأن الحياة عندهم باتت مجرد فرصة ومجرد نافذة يجب فتحُها، فإما ان يدخل منها الموت كخلاص من حياة كالموت، وإما ان تدخل منها حياة أفضل من الموت!
لا معنى للقمة الأوروبية لمعالجة المأساة التي جعلت المتوسط مقبرة ناشطة، فلن تكون أفضل من القمة التي سبقتها عام ٢٠١٣، ولا معنى للوقوف دقيقة صمت أمام ضحايا لامبيدوزا التي صارت تنتشل من الجثث أكثر من الأسماك، فالمأساة أعمق من شمال غني وجنوب فقير، انها البحث عن حياة أفضل... وفي بحور الحياة وشواطئها تكمن المأساة البشرية كلها!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم