الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عاصفة الحزم تمنح "الشرعية" للبشير

المصدر: "النهار"
رانا أبي جمعة- إعلامية
عاصفة الحزم تمنح "الشرعية" للبشير
عاصفة الحزم تمنح "الشرعية" للبشير
A+ A-

لا نحتاج الى انتظار نتائج الانتخابات النهائية التي جرت في السودان حتى نعرف مصير الرئيس عمر البشير، فعودته الى رأس الحكم في هذا البلد الذي كان يعد الأغنى في القارة الأفريقية قبل أن يقسم في عهده بين شمال وجنوب تبدو شبه مؤكدة.


هي الانتخابات الأولى بعد انفصال جنوب البلاد عام 2011، وقد أجريت في ظل مقاطعة غالبية أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي والحزب الشيوعي السوداني فضلاً عن أحزاب أخرى يمينية ويسارية، ترفض منح الشرعية "الداخلية" لرئيس حكَمَ البلاد ربعَ قرن شهدت خلاله أزمات مستعصية كان مصيرها التدويل.


أصرّ الرئيس البشير على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والولائية في آن واحد، ووصفها بـ"الاستحقاق الدستوري" الذي قد يؤدي في حال التخلف عن إجرائه الى "فراغ دستوري" من شأنه أن يفقد مؤسسات الحكم شرعيتها.


ولكن في أي ظروف داخلية وخارجية أتى هذا الاصرار؟


لا يزال مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس البشير نفسه في كانون الثاني/ يناير من العام الفائت محطّ أخذ وجذب ومهدداً بالفشل، وآخر جديد طرأ على هذا الصعيد قبل اجراء الانتخابات المذكورة هو رفض الحكومة الجلوس مع المعارضة في المؤتمر التحضيري في أديس أبابا، في حين كانت المعارضة تصرّ على أن تكون الانتخابات منتجاً للحوار لا العكس، الأمر الذي وسع فجوة الثقة بين الطرفين، ولم يكن اعتقال أجهزة الأمن أكثر من ثلاثين ناشطاً سياسياً بحسب ما تقول المعارضة قبل اجراء الانتخابات بعيداً من هذه الدائرة.
وهنا قد يؤخذ على النظام قمعه للحريات العامة، بحسب تقرير لمنظمة فريدوم هوس لعام 2015 حيث صنّف السودان فى قائمة الأسوأ في مراتب الحرية، فهو احتلّ خلال السنوات العشر الاخيرة موقع أسوأ ديكتاتورية في أفريقيا، يليه الصومال، ثم أريتريا، والكونغو الديموقراطية، الكاميرون ورواندا.


ولعل مواجهات 2011 وجُمعات "الكتاحة" و "لحس الكوع" و"شذاذ الآفاق" ومواجهات أيلول/ سبتمبر 2013 ماثلة أمام الجميع.


ومما سبق، يبدو جلياً أن أزمة تتعدى الثقة ستضع السودان بعد هذه الانتخابات على سكة التشابك السياسي وربما غير السياسي مع المعارضة السودانية التي وصفت الاستحقاق بـ"العملية المزورة برمتها"، وعليه فهي لن تعترف به ولا بنتائجه، أما بالنسبة إلى حملة "إرحل" التي دُشنت في شباط / فبراير الماضي فهي ستستمر إضافة الى قيادة حملة إقليمية ودولية لفضح ممارسات النظام قد تصل الى حد الطلب من مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يمنع الحكومة من استخدام سلاح الطيران في مناطق الحرب لأسباب أمنية


كما وتأتي هذه الانتخابات في ظل تواصل الصراع في أكثر من إقليم سوداني. فمنذ استقلال جنوب السودان، دخلت الخرطوم في صراع مع جوبا بسبب القضايا العالقة من الماضي المضطرب بين البلدين وعدم تحقق الانفصال التام. لذا لم يكن مستغرباً أن يدفع القتال الدائر في دارفور وجنوب كردفان الى إلغاء بعض الدوائر الانتخابية.


على الصعيد الاقتصادي، خسر السودان الذي يُعدّ أقل البلدان العربية نمواً الجزء الأكبر من احتياطاته النفطية بعد انفصال جنوب السودان ما فاقم الوضع المعيشي في البلاد. أضف الى ذلك، إن السودان لا يزال يعاني حتى اليوم من حصار اقتصادي بدأته الولايات المتحدة عام 1983 واشتدّ مع مرور السنوات مما ساهم في تردي الاوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر.


وقد تكون هذه الجزئية مدخلاً لفتح نافذة على علاقات السودان الخارجية وتحديداً ببعض الدول انطلاقاً من موقع السودان الجيوسياسي المهم، فطول الحدود البحرية السودانية على ساحل البحر الأحمر يصل إلى نحو 670 كلم، وتحده دولتان عربيتان هما مصر وليبيا و4 دول أفريقية غير عربية.


ليس للسودان بظل حكم البشير علاقات استراتيجية راسخة مع هذه الدول، وقد يكون الانفصال وارتداداته الاقتصادية والأمنية وتنامي المعارضة الداخلية سببين جوهريين لتلمس تغييرات في تحالفات السودان السياسية.


وفي ظل الأوضاع المتردية والمقلقة في ليبيا، كان لا بد من استدارة الخرطوم باتجاه الجار الشمالي، ولعل الزيارة الاخيرة للبشير الى مصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أفضت الى فتح آفاق لمرحلة جديدة بين البلدين خصوصاً مع تكرار تأكيد البشير عدم صلته بجماعة الاخوان المسلمين مع ما يحمل هذا التأكيد من أبعاد، واتجاه أزمة سد النهضة الى الحلحلة في الأشهر الاخيرة مع تأكيد البشير بأنه لن يقبل المساس بالحقوق والمصالح المائية المصرية.


أما بالنسبة إلى الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فللسودان أهميته لكونه جسراً استراتيجياً بين المملكة وأفريقيا، ولكن العلاقات السودانية الإيرانية جعلت التواصل مع الخليج في حدوده الدنيا، فأصبحت الفاتورة مرتفعة الثمن في ظل غياب الدعم الخليجي المأمول.


تقول الخرطوم إنها لم تتلق من إيران سوى الوعود وخصوصاً بعد الانفصال، وقد يكون هذا القول مبرراً لأكثر من خطوة أقدم عليها البشير لعل أهمها إغلاق عدد من المراكز الثقافية الإيرانية في السودان والطلب من القائمين عليها مغادرة الأراضي السودانية، أما عن الأسباب فثمة من عزاها الى خوف الخرطوم من التمدد الشيعي وهناك من ركز على محاولته الخروج من دائرة العزل السياسي الإقليمي والدولي عسى أن يخفف ذلك الضغوط عن الوضع السياسي والاقتصادي على حد سواء على هذا البلد المنهك.
كان متوقعاً عشية الانتخابات السودانية أن يسعى البشير المعزول دولياً والموضوع على قائمة الملاحقين قضائياً الى الانفتاح على بعض الدول العربية خصوصاً بعدما تراجع عن عهده بعدم الترشح للرئاسة مجدداً، فكانت "عاصفة الحزم" أفضل باب للدخول الى الحاضنة الخليجية العربية، فأكسبه اعلان مشاركة السودان في هذه العملية المزيد من "الشرعية" العربية وتالياً "شرعية" لانتخابات يرفض نتائجها مسبقاً جزء كبير من الداخل إضافة الى دول غربية كبرى.


ولكن أن يبرر وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين أن المشاركة أتت لأن السودان المأزوم "لن يسمح بتمدد النيران التي اشتعلت في العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن إلى المملكة العريبة السعودية"، فهذا ما لا يمكن أن يصدقه عاقل.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم