الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عاصفة الأمل وإعادة الحزم

المصدر: "النهار"
بقلم زياد بارود
عاصفة الأمل وإعادة الحزم
عاصفة الأمل وإعادة الحزم
A+ A-

منذ يومين، أُعلن عن انتهاء عملية "عاصفة الحزم" في اليمن الحزين وبدء عملية "إعادة الامل" في اليمن السعيد. وبين حزنه وسعده، دفع اليمن، عن العرب مجتمعين، فاتورة انفراط عقدهم الهش وثمن فرقتهم الحمقاء، وكذلك لا تزال تفعل، منذ عقود، فلسطين وقدسها، ولا تزال فيروز تغنّي... هناك، عواصف من نوع آخر وآمال من النوع النادر...


أما هنا، حيث تضرب العاصفة ولو "غيّمت في الصين"، فحديثٌ آخر وتحاليل أخرى. هنا، قانون السير عاصفة حزم قائمة بذاتها. وهنا، الأمن الغذائي ربما إعادةٌ للأمل. هنا، إمارة السجن المركزي تتهاوى. وهنا، الموازنة تُشغل البال والمال. هنا، مرتا مرتا، تتلهّى بأمور كثيرة والمطلوب واحد...
في غمرة العواصف المحيطة وغبارها الكثير، ينظر الناس إلى ما تبقّى من دولتهم (التي من دون رأس، من باب التذكير الروتيني)، يطرحون أسئلةً بحجم هواجسهم الكبيرة ومخاوفهم الأكبر. متواضعون هم اللبنانيون واللبنانيات في مضامين أسئلتهم: هم لا يسألون عن ضمان الشيخوخة، ربما لفقدانهم الأمل بالعمر المديد، وهم لا يسألون عن خطة وطنية لمكافحة البطالة، ربما لأن الأخيرة وسلسلة الرواتب سيّان. هم لا يسألون عن موازنة غائبة منذ عقد من الزمن ولا رقيب. هم لا يسألون أيضا عن التعليم للجميع، ربما لأن الجهل أفضل من التفكير في ما آلت إليه أمورنا، ولا هم يسألون عن تحسين نوعية حياتهم، ربما لأنهم يخشون على حياتهم بحدّ ذاتها، ولا يفكّرون بنوعيتها التي هي كالترف في زمن المجاعة.


في هواجسهم المتعاظمة عند كلّ شروق والمتكاثرة عند كلّ غروب، بات اللبنانيون واللبنانيات يسألون ما تبقّى من دولتهم عن شبكة أمان تحميهم من عواصف الزمن التكفيري وغيومه السوداء ورياحه العاتية. شبكة أمان تحول بينهم وبين الترحيل، مثلا، إذا هم لجأوا يوما إلى دولة شقيقة أو صديقة لأن دولتهم الأم لم تجد في فسادها لهم لقمة عيش. شبكة أمان تحمي أصحاب الدخل المحدود، لا في قدرتهم الشرائية وإنما في الحد الأدنى من كرامتهم الإنسانية. شبكة أمان تحمي أيضا المستثمرين من أصحاب القلوب القوية الذين لم يفقدوا الأمل ولم يرحلوا. شبكة أمان تحمي معنى لبنان المتنوّع في وحدته ورسالته التي إذا ما سقطت، سقط معها نموذج حضاري فريد. شبكة أمان تحصّن جيشًا يحمي وقوى أمنية تسهر. شبكة أمان ترفع منسوب التضامن اللبناني في مواجهة العاصفة تحت عنوان أن "العود محميٌّ بحزمته، ضعيف حين ينفرد" (هشام الجخ). شبكة أمان تسمح بعبور مرحلة الزلازل بأقل خسائر ممكنة...



هذا كلّه ليس نثرًا أدبيًّا. هذه حقائق برسم المسؤولين. لا يطلب الناس منكم ما يستعصي عليكم قدرةً وواقعًا ومدًى. لا يطلبون منكم حقّهم على دولتهم في مجالات اجتماعية واقتصادية وتنموية وتربوية وثقافية... لا! لا يطالبونكم حتّى بحقّهم الديمقراطي بتداول السلطة عبر انتخابات دورية! لا يطالبونكم سوى بالحدّ الأدنى: شبكة أمان تحمي أرواحهم وحقّهم بالحياة!
ربما كان المطلوب اليوم، وبإلحاح، عاصفة أمل تبعث في الناس اطمئنانًا. المطلوب اليوم إعادة الحزم إلى مواقع المسؤولية، وأوّل الحزم وأولاه حسم انتخاب رئيس على جمهورية العواصف بأجنحة غير متكسّرة...
أتعلمون كم أمًّا فرحت لأن ابنها في غربته لن يزورها هذا الصيف... فاطمأنّت؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم