السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

إلى وزير التّربية..

المصدر: "النهار"
إيلي مسلّم - مدير مدرسة "الإليزه"
إلى وزير التّربية..
إلى وزير التّربية..
A+ A-

فيما تضجّ وسائل الإعلام اللبنانيّة بالأخبار المأسويّة التي ترد إلينا عن أحوال المنطقة العربيّة والأطراف البقاعيّة، وفي ظلّ الفراغ الرئاسيّ والتخبّط السّياسيّ، يأتي خبر عقد مؤتمر تربويّ تعكفون على تنظيمه ليفتح كوّة في جدار واقعنا الصّعب والمأزوم.
الخبر ليس غريبًا عنكم وبخاصّة أنّكم من صنف الرّجال الذين يُمتحنون في النّار، ويبادرون حيث تصحّ المبادرة، وتاريخكم يشهد على نجاحكم الشخصيّ، وعلى البصمات الدّامغة لجهودكم في المجال التربويّ. لذلك نأمل خيرًا في تنظيم هذا المؤتمر، ونتمنّى أن تتوافر له سبل النّجاح المنشود، ونسمح لأنفسنا قبل أيّام من عقده بتقديم بعض المقترحات علّها تفيد في طرح الأفكار وتبادل الخبرات.
إنّ المنهاج التعليميّ المعتمد منذ حوالى العشرين عامًا في مؤسّساتنا التربويّة مليء بالثغرات ولم تقم وزارة التربية بتطويره أو تعديله طوال تلك الفترة، ومن المتوقّع أن يبادر الزملاء من أصحاب الخبرة والاختصاص إلى المطالبة في المؤتمر بوضع نسخة جديدة منه تواكب أطر الحداثة في وسائل التّدريس وأهدافها، شكلاً ومضمونًا، لكنّنا نتوجّس من تكرار التّجربة في طول أمد تطبيقه، لذلك نقترح تشكيل لجنة لتقييم المنهج وتطويره على نحوٍ دائم ومستمرّ، فلا يكون دستورًا يصعب تعديله إلا بعد ردح من الزّمن. وبرأينا إنّ خطر التعثّر في الخروج بهذا المنهاج على نحوٍ فاعلٍ وملائمٍ للعصر قد يحوّل جميع المتعلّمين في لبنان إلى أفراد من ذوي الصّعوبات التّعلميّة، وفي هذا الأمر ما قد يقضي على التّربية والتعليم معًا وعلى مستقبل الأجيال القادمة. كما نقترح عدم تحميل المتعلّمين مزيدًا من الأعباء في تحصيل المعرفة والعلم، وأن يكون عدد الموادّ مقبولاً وواقعيًّا في المرحلة الثانويّة وببرامج وأهداف محدّدة، لا أن تكون كلّ واحدة منها، وهي تبلغ اليوم اثنتَي عشْرةَ مدرجة في منهاج الصفّ الثانوي الثالث، بحجمِ اختصاصٍ بأكمله، كي لا ينفر منها المتعلّم ويقبل على تعلّمها مرغمًا من دون استفادة، وبخاصّة أنّ منطق الحشوِ وتحميل الذاكرة كميّات من المعلومات التراكميّة لم يعد مقبولاً في زمن العولمة والتكنولوجيا والتحوّلات والإنجازات العلميّة المتلاحقة، فيما الأصحّ أن نرشده إلى كيفيّة تحصيلها واستثمارها وتوظيفها على النّحو المفيد. كما نقترح في المجال نفسه تعزيز مواد التربية الناشطة كالمسرح والرسم والرياضة وغيرها وجعلها بمستوى المواد الأخرى في العلوم والرياضيات والآداب لأنّها متساوية برأينا في الحجم والأهميّة.
أمّا سنوات التعليم، فنقترح تخفيضها في المرحلة الثانوية من ثلاثة أعوام إلى عامَين أسوة بالإجازة الجامعية التي تمّ اختصارها من أربع سنوات إلى ثلاث، لكي يتسنّى للمتعلّمين التفرّغ باكرًا لمستقبلهم المهنيّ، وخصوصًا انّ جيل اليوم أصبح أكثر وعيًا ونضوجًا وإدراكًا في حسن التصرّف والأداء، ومن غير المفيد تكبيل طموحه في سنوات لا فائدة كبرى منها برأينا على المستوى التعلّميّ، فيما يستحسن ترفيعه من الصفّ الثانوي الثاني مباشرة إلى الجامعات ليبدأ وينهي باكرًا تحصيل علومه الجامعيّة.
وعلى صعيد الامتحانات الرّسمية، نرى أنّه آن الأوان لجعل شهادة البروفيه اختياريّة لأنّها من جهة تفقد المتعلّمين الثقة بإداراتهم التربويّة، وتجعل التقييم المدرسيّ حبرًا على ورق، ومن جهة أخرى تخضع المتعلّمين لامتحانات غير منطقيّة يتحمّلون فيها وزر معلومات هائلة لا طاقة لامرئ على تحمّلها. فبعيدًا من المدرسة وأجوائها نسأل: هل يستطيع أيّ وزير أو نائب أو مسؤول أن يحفظ معلومات بهذا الحجم فيبدأ بتعلّمها في شهر تشرين الأوّل ثمّ يخضع للامتحان في مضمونها في شهر حزيران؟ وهل يستطيع هؤلاء أن يخضعوا لامتحان في البيانات الوزارية المتلاحقة أو القوانين أو المعلومات التّاريخيّة والاتفاقات على اختلافها وكثرتها؟ طبعًا لا. فلماذا نحمّل أولادنا ما لا نستطيع نحن تحمّله؟ ولماذا نفرض عليهم اختبارات تزيد من أعبائهم، فيما يجب علينا تسهيل العمليّة التعلميّة وتحويلها من محطّة للاختبار والامتحان إلى محطّة للاكتساب والتطوّر؟ كما نقترح جعل الامتحانات النهائيّة لنيل الشهادة الثانوية على مرحلَتين، لتخفيف الأعباء التحصيليّة عن كاهل المتقدّمين إليها، وتوسيع دائرة الفروع في المرحلة الثانوية، واعتماد فرع جديد خاصّ بالمعلوماتيّة أسوة بالاجتماع والاقتصاد والعلوم العامة وعلوم الحياة والفلسفة والإنسانيّات، لأنّها دخلت إلى مختلف النواحي الحياتيّة وتحوّلت إلى جانب أساسيّ في الاختصاصات الجامعيّة، حتّى أنّ مادّة المعلوماتية أصبحت مؤخّرًا جزءًا من المواد في كلية الآداب والكليات الإنسانيّة الأخرى.
وفي ما خصّ الأعباء الماديّة لتأمين التعليم، نستغرب التمييز بين الأهل، وجعلهم يتحمّلون وحدهم فاتورة التعليم لأبنائهم فيما يجب على الدولة المشاركة في تحمّل هذه الكلفة أسوة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها في القطاع الرسمي، لذلك نقترح إقرار الضمان التربويّ كحقّ للمتعلّمين في القطاع الخاصّ، على أن يكون جزءًا من مساهمة الدولة في دعم هذا القطاع الذي ينوء تحت حمل التكاليف المادية الباهظة، وبخاصّة أنّ هناك مؤسسات تربويّة تستعدّ لإقفال أبوابها في العام المقبل، ومؤسسات أخرى تستمرّ بأداء مهمّتها التربوية والتعليمية من دون أفق للمستقبل. وإنّ تدخّل الدولة على نحوٍ مسؤول ينقذ الموقف ويسهم في إيجاد حلّ لتأمين حقوق المعلّمين من دون التعرّض لاستمراريّة المؤسسات التربوية وقدرتها على تأمين الأفضل.
نكتفي بما سردنا من أفكار ومقترحات ولو أردنا تعدادها كاملة لاستوجب الأمر مجلّدات ومجلّدات، راجين من المشاركين في المؤتمر الخروج بنتائج فاعلة وجديّة تكون على حجم الآمال والطموحات، ونحن إذا نستبشر خيرًا بمجرّد اعتباره لقاء لأهل العلم والمعرفة، نرى في إدارته برعايتكم الكريمة حسن بداية للوصول إلى خواتيمه بالنّجاح والتوفيق.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم