الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

دائرة النفوذ الإيرانية

المصدر: "النهار"
منذر خدام- كاتب وسياسي سوري
دائرة النفوذ الإيرانية
دائرة النفوذ الإيرانية
A+ A-

أستعيد من الذاكرة ما قاله مسؤول روسي رفيع المستوى كان في زيارة إلى بيروت لوفد من هيئة التنسيق الوطنية التقاه بناء على طلبه، بعيد صدور بيان جنيف عن مجموعة العمل الدولية بشأن سوريا في 30 حزيران 2012، من أن إيران " لن تسمح بسقوط النظام السوري حتى ولو اضطرت أن ترسل فيالق من جيشها إلى سوريا"، فهو من دائرة نفوذها الإستراتيجية.


حسبت قول المسؤول الروسي في حينه كنوع من الضغط على المعارضة السورية لكي تقبل بتسوية سياسية استنادا إلى بيان جنيف الصادر حديثاً، لكن اليوم يبدو لي أن ما تفوّه به المسؤول الروسي بعبارات فجة وخالية من الدبلوماسية كان يعنيه تماماً. في الواقع كان معارضون قد سمعوا مراراً أقوالاً تحمل المعنى ذاته من مسؤولين إيرانيين سواء خلال زيارتهم إلى طهران أو من خلال لقائهم بمسؤولين في سفارة إيران في دمشق.
إن علاقة إيران بدمشق أكثر من واضحة، وهي معلنة ورسمية وذات طابع استراتيجي بحسب ما يصرح به مسؤولو البلدين بصورة متكررة، وقد تم اختبارها سواء خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو خلال الصراع مع إسرائيل، ويجري اختبارها اليوم خلال الأزمة السورية الجارية، فهي تعبير عن التقاء مصالح عميق، تغطيه شبورة أيديولوجية كثيفة.



لقد حاولت الدوائر الغربية، وتحديدا الأميركية منها، مراراً فك عرى هذه العلاقة بين سوريا وإيران، وعرضت من أجل حصول ذلك مغريات كثيرة على السلطة السورية، منها ما له علاقة بالتسوية السياسية مع إسرائيل، ومنها ما له علاقة بالأزمة الراهنة التي تعصف بسوريا، والتي وجدت فيها هذه الدوائر فرصتها التاريخية السانحة لتغيير "سلوك النظام" السياسي، سواء تجاه إيران، أو تجاه حزب الله ، أو حتى تجاه إسرائيل، بحيث يقبل تسوية معها وفق شروطها. يجري الحديث عن تغيير سلوك النظام السياسي، وليس عن إسقاطه، لأن هذه الدوائر ما أرادت يوما إسقاط النظام، بل إضعافه، لأنها تدرك جيداً خطورة ذلك على إسرائيل، وعلى أمن المنطقة بصورة عامة، التي مثل فيها عامل الاستقرار الأكبر والرئيس. لقد رفضت السلطة السورية جميع هذه المغريات- المحفزات لها وأصرت على بقاء علاقاتها بإيران قوية، بل عملت على تطويرها وتمتينها.


بدورها إيران كانت تدرك جيداً أهمية سوريا الإستراتيجية بالنسبة لها، وأن كثيراً من الضغوطات التي تعرضت لها سوريا كانت بسببها، كنوع من الضغط عليها لتقديم تنازلات على صعيد ملفها النووي، لذلك فهي قابلت مواقف السلطة السورية بمزيد من الدعم والتأييد. فهي لم تكتف خلال الأزمة الراهنة التي تعصف بسوريا بتقديم الدعم الاقتصادي، بل وزودت القوات السورية بكثير من العتاد العسكري، وأرسلت مستشارين عسكريين إيرانيين لتقديم الخبرة والمشورة للقوات السورية. وعندما بدا أن موازين القوى أخذت تميل لصالح المعارضة السورية المسلحة، خلال عام 2013 دفعت بحليفها القوي حزب الله لكي يرسل بعضاً من قواته إلى سوريا، كما شجعت المليشيات الشيعية العراقية على القدوم إلى سوريا لمساندة قوات النظام وتغيير موازين القوى لصالحه، وهذا ما تحقق بالفعل.



وإذا كان التدخل الإيراني غير المباشر في الأزمة السورية قد حدت منه في السابق الإمكانات الاقتصادية الضعيفة لإيران من جراء العقوبات الخانقة التي فرضتها عليها الدول الغربية بسبب ملفها النووي، وكانت تنقصه الذرائع المقنعة دولياً وإقليمياً، فإنها، وبعد التوصل مع مجموعة(5+1) إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، سوف تكون في وضع مختلف تماماً.
بداية لم تعد تنقصها الذرائع لتدخلها المباشر في سوريا أو في العراق، إذ أمنها لها المتطرفون الذين باتوا يهددون أمن المنطقة واستقرارها، ويشكلون خطراً جدياً على مصالح أميركا والدول الغربية عموماً.
من هذه الناحية، صار التدخل الإيراني للمساعدة في محاربة "داعش" و"النصرة" وغيرها من القوى المتطرفة أمراً مرغوباُ به من قبل أميركا وحلفائها، وإن كان بصورة غير رسمية. أضف إلى ذلك، فإن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سوف يتيح لها إمكانيات كبيرة جداً لتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري السخي لحليفها النظام السوري.



بالطبع سوف يأخذ ذلك بعض الوقت، سوف تعمل خلاله إيران مع الدول الغربية لانجاز تسوية سياسية في سوريا تحافظ من خلالها على نفوذها فيها. ومع أن إيران في حاجة ماسة لرفع العقوبات عنها لتطوير اقتصادها المنهك، ولتحسين مستوى حياة الشعب الإيراني، وهذا ما أشار إليه روحاني في خطابه بعيد التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية بشأن ملفها النووي، لكنها في مجمل الأحوال لن تتخلى عن النظام السوري الضامن لنفوذها. وتأتي هذه المساعي الإيرانية في ظروف بدأت الدول الغربية ذاتها تغيّر من مواقفها تجاه النظام السوري، وتدعو إلى الحوار معه، تحت ضغط تزايد خطر الحركات الإرهابية المتطرفة في سوريا على أمن المنطقة عموما، وعلى أمن إسرائيل بصورة خاصة. وفي هذا المجال كانت لافتة إشارة أوباما في رسالته إلى ملوك دول الخليج العربي التي دعاهم فيها إلى الاجتماع به في كامب ديفيد ومن أنه سوف يبحث معهم من ضمن مسائل أخرى، مسألة حل النزاعات في المنطقة.


إن إحدى الحقائق الجيوسياسية الإستراتيجية في الشرق الأوسط التي ترتبت على غزو أميركا للعراق في عام 2003 ، وإسقاط نظام صدام حسين، بدعم وتأييد من دول الخليج العربي، توسيع دائرة النفوذ الإيرانية. وليس من شك بأن نفوذ إيران سوف يتعزز أكثر فأكثر بعد هزيمة قوى التطرف والإرهاب التي تجتاح المنطقة. لكن في هذه الحالة لن تكون ايران هي ذاتها ما قبل الاتفاق النووي. في إطار عملية الاحتواء الاستراتيجي سوف لن تنزعج الدول الغربية من دور إيران في المنطقة، طالما تقبل بالتعامل معهم وفق قواعد " الربح والخسارة".وليس مستبعداً أن تسهل الدول الغربية لإيران " الكبيرة" و" القوية" والتي تملك " رؤية إستراتيجية " تعزيز دائرة نفوذها، من أجل ضمان تقيّدها بالاتفاق النووي، والمساعدة في محاربة قوى التطرف ، وحل أزمات المنطقة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح حلفائها التقليديين في دول الخليج. باختصار ما يهم أميركا والدول الغربية عموماً هو عودة إيران دولة طبيعية في المجتمع الدولي، وفي هذه المسألة لا شك بأنها سوف تجد من يلاقيها في الداخل الإيراني، وهذا ما أشار إليه الرئيس روحاني في خطابه الأخير.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم