الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

أبعد من "عاصفة الحزم"

اوكتافيا نصر
A+ A-

كانت العملية المفاجئة التي شنّها التحالف العربي للقضاء على المتمردين الحوثيين في اليمن مثيرة للصدمة، حتى أنها بدت أشبه بفيلم هوليوودي، لكنها ضرورية جداً، وقد يتبيّن أنه لا بد من شنّ هجوم بري في الوقت المناسب من أجل إنجاز المهمة على أكمل وجه.


نرحّب بأيُّ عمل عربي جامع ضد الإرهاب والتطرف والتعصب ومختلف أشكال الأصولية التي تعيث خراباً في المنطقة، شرط ادراك كونه متأخراً جداً ولا بد تالياً من مواكبته بمزيد من الخطوات وبقدر كبير من الجهود والتدابير المناسبة، فضلاً عن إجراء إصلاحات ووضع تخطيط استراتيجي طويل الأمد.
ليس الحوثيون مشكلة مستجدّة بالنسبة إلى المنطقة ولا إلى اليمن. فالتهديد الذي يشكّلونه يعود إلى أكثر من عقد، لكنه ظل محصوراً داخل حدود اليمن فترة طويلة. مع مرور الوقت ونظراً إلى التغييرات الكثيرة التي شهدتها المنطقة، ازدادوا نمواً وانتشاراً. وقد حجبهم تنظيم "القاعدة" فترة من الزمن، قبل أن يظهروا من جديد إلى الواجهة مع اندفاع إيران الأخير في موقع القوة العظمى، وخصوصاً بفضل "حزب الله" الذي هو بمثابة ميليشيا وجيش تابع لإيران، وكذلك بفضل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
مع إحراز الحوثيين تقدماً عسكرياً كبيراً في الآونة الأخيرة، بوصولهم إلى العاصمة صنعاء وسيطرتهم عليها واستيلائهم على مؤسسات حكومية أساسية، ومع انسحاب الولايات المتحدة من اليمن، أدركت السعودية أنها ستكون الخاسر الأكبر في حال تحقيق الحوثيين مزيداً من المكاسب التي ستُترجَم حكماً تعزيزاً للنفوذ الإيراني. عامل الصدمة هنا هو أن السعودية انتظرت وقتاً طويلاً جداً قبل أن تتحرك فجأة وبقوة وحزم، وقد عقدت العزم على القضاء على المتمردين ودفع إيران إلى التراجع الى مسافة آمنة.
مخطئ من يظن أن تقدّم الحوثيين هو التهديد الوحيد الذي يتربّص بالمنطقة حالياً. ليس الحوثيون التهديد الأقدم أو الأكثر فتكاً. كما أنهم ليسوا الهدف الأكثر تبريراً الذي يمكن أن تأتي به السعودية وسواها من دول الخليج.
رصُّ العرب صفوفهم ضد التطرف قضية جيدة. ومحاربة العرب للإرهاب وحماية مواطنيهم وأراضيهم قضية مشروعة أيضاً. لكن أولئك العرب أنفسهم يتجاهلون التهديد الذي تشكّله مجموعات وأنظمة وميليشيات متطرفة أخرى، فالتركيز فقط على اليمن والتهديد الحوثي خطأ جسيم. إن امتناع العرب عن التدخّل دفاعاً عن الشعب السوري هو جريمة ضد الإنسانية. وعندما يشيح العرب بنظرهم عن المنطقة بكاملها ويتخلّفون عن حمايتها من المخاطر، الداخلية والخارجية على السواء، فهذا هدرٌ للجهود وتخطيط سيئ. وإن كان يدل على أمر، فعلى أن العرب هم قبل كل شيء قصيرو النظر ولا يجيدون التخطيط للمستقبل أو وضع الاستراتيجيات.
أبعد من استعراض القوة، يحتاج الشرق الأوسط إلى قيادة وحزم وإنصاف. الواقع الميداني خلف هذه العملية أهم من "عاصفة الحزم" في ذاتها. إنه محك الاختبار الحقيقي للقادة العرب وما تبقّى من المنطقة!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم