الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تطوير بنية المنظمات غير الحكومية في مواجهة المتغيرات

المصدر: "النهار"
علا الصيداني- باحثة اقتصادية
تطوير بنية المنظمات غير الحكومية في مواجهة المتغيرات
تطوير بنية المنظمات غير الحكومية في مواجهة المتغيرات
A+ A-

التكامل الاقتصادي الاقليمي يحتاج لأن يكون مبنياً على أسس متينة، حيث أن الوصول الى الأهداف المرجوة منه، في الوقت المحدد، يحتاج الى تمتين ركائز من البنى التحتية الاقتصادية والتنموية اللازمة.


ولما كانت المنطقة العربية تواجه المزيد من التحديات الداخلية والخارجية، فذلك يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على أهداف التنمية البشرية المستدامة، وحجم التجارة البينية والخارجية، كما على الالتزامات المرتبطة بالاتفاقيات الدولية والاقليمية والثنائية، وغيرها... وبالتالي، أصبحت مفاهيم وأهداف التكامل الاقتصادي، والاندماج، ووفورات الحجم، والتنمية مرتبطة بشروط ومتطلبات جديدة ومبتكرة من أجل تحقيقها بفعالية.


ورغم الدور الأساسي للمنظمات الحكومية التي ترعى الاندماج والتكامل الاقتصادي، فهي تبقى مقيدة بالقرارات السياسية للدول الأعضاء. لكن، لمنظمات العمل العربي غير الحكومية دوراً أساسياً ومهماً في تحقيق هذه الأهداف، وهي تتمتع بمرونة وحرية عمل أكثر من المؤسسات الحكومية.


ورغم الجهود والنجاحات الكبيرة التي حققتها منظمات العمل العربي غير الحكومية، إلا أن استمرار الركود في الكثير من مؤشرات النمو الاقتصادي والتنمية البشرية على مستوى المنطقة بمجملها، وعدم إحراز تقدم جذري في التغلب على المعوقات التي تواجه تعزيز وتسهيل التبادل التجاري والاستثماري البيني ضمن "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، يشكل مؤشراً لتنبيه منظومة العمل العربي المشترك الى الحاجة للابتكار ولتطوير آليات مقاربة القضايا والتحديات والفرص، ومنها على سبيل المثال: إعادة تقييم كفاءة وفعالية الآليات والأطر القائمة حالياً للرصد والتقييم والامتثال التي وضعتها منظومة العمل العربي المشترك غير الحكومية، وذلك من منطلق الحاجة الى اعتماد سياسات للاصلاح أكثر استدامة وديناميكية.


وفي هذا الاطار، أود الاشارة الى موضوعين مهمين:


الموضوع الاول: هو حول أهمية تطوير البنى التحتية للاحصاءات والمؤشرات الاقتصادية.


أصبح العالم اليوم أكثر انفتاحاً وتقارباً من خلال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي، فأصبحت الشعوب على دراية أوسع بالحقائق في مختلف الدول وأكثر جرأة لطرح التساؤلات حول أوضاع بلادها ولتقديم المبادرات لمعالجة القضايا الملحة.


لكن مراكز الأبحاث والدراسات العربية – وخصوصاً تلك المعنية بالبعد الاقتصادي والاستثماري والتجاري والتنموي العربي المشترك - ما زالت تعاني من صعوبات في الوصول الى البيانات الاحصائية والأرقام، من خلال سلاسل بيانات للمؤشرات الاقتصادية تكون متكاملة ومتواصلة زمنياً. كما أن التأخر في إصدار ونشر البيانات أو الانتقائية في نشرها يعيق تحويلها الى "بيانات ادارية"، يستطيع أي من الأعضاء أو أي باحث/ مستخدم نهائي الاستفادة منها.


كذلك، هناك ضعف كبير جداً في استخدام الدراسات والبحوث التي تنتجها منظمات العمل العربي غير الحكومية كمصادر للمعلومات في التقارير والدراسات التي تعدّها المنظمات الدولية على المستوى العالمي أو الاقليمي. فنادراً جداً ما نجد في لائحة المصادر والمراجع أي نشرة أو دراسة للمؤسسات العربية. وهذا يدل على احتمالين:


الاحتمال الأول: المؤسسات والمنظمات الدولية والاقليمية لا تعير أهمية للتقارير التي تنتجها المنظمات العربية، مما يجعلها على غير دراية بوجود هكذا احصاءات ومؤشرات – أو حتى مؤسسات للعمل العربي المشترك.


الاحتمال الثاني: ضعف مصداقية الأرقام أو ضعف المحتوى التحليلي للمؤشرات في التقارير والدراسات التي تعدّها المنظمات العربية، وبالتالي هي لا ترتقي الى مستوى التنافسية في نوعية وجودة المؤشرات وشفافية المعايير العالمية المتبعة في وضع الاحصاءات.


وكلا الحالتين تؤديان، بشكل مباشر أو غير مباشر، الى إضعاف دراية المؤسسات الدولية بالحقائق العلمية عن عالمنا العربي، وتفتح المجال أمام التخمينات والتقديرات المجحفة بحق منطقتنا وامكانية الاستغلال الأمثل للموارد والوسائل الأكفأ لمواجهة التحديات. إن ترجيح دفة الحوار بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، وحتى في ما بين دول الجنوب، لصالح رفاه الشعوب، يتطلب الوقوف على أرضية صلبة، استناداً الى الأدلة العلمية والمخرجات الاحصائية الصحيحة والموثوقة.


فالمهم هو جذب المؤسسات الدولية والجهات الخارجية لإعتماد البيانات التي تنتجها المؤسسات العربية – ولا سيما المعنية بشؤون القطاع الخاص – في تقاريرها حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي في المنطقة. فمن الممكن الأخذ بمبدأ "الانتاج الموجه للتصدير" في موضوع البيانات الاحصائية، بحيث تنتج المؤسسات العربية مؤشرات اقتصادية مبتكرة – وفق منهجية علمية - بالاستناد الى مدخلات احصائية موثوقة، فيصبح المجتمع الدولي هو المستخدم النهائي لهذه المؤشرات والأرقام بدلاً من أن يكون المنتج لها.


الموضوع الثاني: هو حول كفاءة التمثيل العربي في المحافل التجارية الدولية.


إن علاقة الأسواق العربية (الانتاج والتجارة) مع متطلبات السوق العالمية تنظمها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وغيرها من البروتوكولات الدولية. وحجم التمثيل العربي (من خبراء وتقيين) في المحافل التجارية الدولية لا يتوافق مع حجم متطلبات المتابعة فيها – وهي الحال أيضاً في عدد من الدول النامية - وخصوصاً في جولات المفاوضات المختلفة في منظمة التجارة العالمية. فكثيراً من الأحيان تتزامن جلسات المفاوضات المختلفة مع بعضها، بحيث يصعب على أفراد البعثة الحكومية متابعتها كلها في نفس الوقت.


ولمّا كان التمثيل الرسمي حالياً يعتمد على مفاوضين حكوميين، يتعيّن عليهم الحفاظ على حقوق المنتجين والتجار من القطاع الخاص وقضايا المجتمع المدني في بلادهم، فمن الممكن النظر بإمكانية إرسال مبعوثين من منظمات العمل العربي غير الحكومية – على غرار اتحاد غرف التجارة العربية. على سبيل المثال، يتم توقيع مذكرات تفاهم بين جامعة الدول العربية واتحاد غرف التجارة العربية، بحيث يمكن لمتخصصين من القطاع الخاص العربي أن يمثلوا حكومات دول عربية ما تزال تفاوض في المنظمة، من أجل رفد المفاوضين الحكوميين بخبراء وتقنيين متفرغين ليساعدوهم على الاطلاع والمشاركة الفعالة في جميع الاجتماعات وجولات المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف في جميع القضايا والقطاعات التي تهم بلادهم. وفي هذا الاطار، يمكن النظر بإمكانية الاستعانة بالموارد البشرية الموجودة في الغرف العربية – الأجنبية المشتركة.


الخلاصة والمقترحات:


مما لا شك فيه أن القطاع الخاص العربي - ومن خلال منظمات العمل العربي المشترك – خلال أكثر من نصف قرن، قد حقق الكثير من الانجازات في مسيرة التكامل الاقتصادي وتعزيز التجارة البينية وتدفق الاستثمارات والنقل وغيرها، ولديه الكثير من الامكانات والموارد لتحقيق مستويات أعلى من التكامل الاقتصادي ورفع النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية البشرية المستدامة،


لكن مع تسارع ديناميكية بيئة الأعمال وتفاقم التحديات العابرة للحدود، بات من المهم إعادة النظر بدور وكفاءة مؤسسات العمل العربي غير الحكومية، من اتحادات أعمال ومنظمات قطاعية متخصصة، وليس فقط تسليط الضوء على دور المؤسسات الحكومية في دفع عجلة التكامل الاقتصادي العربي.


وإذا كانت قدرتنا محدودة حالياً في رفع حصة المنطقة العربية من "البحوث والتنمية"، فإن المقاربة الأفضل هي التوجه نحو "البحوث من أجل التنمية" – وهو العمل على تقوية البنية التحتية الأساسية للنمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة والاستخدام الأمثل للموارد المحدودة – وألا وهو عن طريق تطوير بنية المؤشرات والارقام الاحصائية، وكذلك تعزيز البنى التحتية اللازمة لأتمتة تبادل البيانات ومدخلات المسوحات في جميع مراحل العمل الاحصائي، في ما بين الشركات في الدول العربية واتحادات الأعمال وغرف التجارة والمنظمات العربية القطاعية المتخصصة.


ونحن نعلم أن هذا التوجه يحتاج الى الكثير من الاستثمار في البنية التحتية الاحصائية والرقمية والموارد البشرية اللازمة، لكنه يحتاج أيضاً الى تطوير هيكلية العمل العربي المشترك في منظمات العمل العربي غير الحكومية. وأعني هنا وضع آلية عمل واضحة وقابلة للتنفيذ تعنى بشروط وآليات إمتثال ملزمة للأعضاء، تكون مدعومة ببرامج تطوير القدرات والدعم التقني اللازم لتحقيق النتائج المرجوة بفعالية.


وفي هذا الاطار، من الممكن إقتباس آليات من منظومة سياسة الجوار اليورو – متوسطية، ولا سيما في ما يتعلق بمبدأ "المزيد من أجل المزيد"، بحيث أن الفرقاء الأعضاء في منظمات العمل العربي غير الحكومية كلما التزمت بالاجراءات المقترحة لتطوير بنيتها المؤسساتية والاحصائية كلما ازداد حجم الدعم والتسهيلات التي تقدمها لها هذه المنظمات.


ومما لا شك فيه هنا أهمية تطوير قنوات التمويل الميسّر من خلال مذكرات تفاهم مع صناديق التمويل العربية أو صناديق تمويل يديرها القطاع الخاص العربي، من اجل مساعدة الفرقاء الأعضاء الأقل قدرة على تطوير أدائهم من خلال تمويل مناهج لبناء القدرات والدعم التقني، أو مثلاً لتمويل تطوير أساطيل النقل التجاري البري في جميع الدول العربي لتتواءم مع المعايير الدولية الحديثة ومتطلبات النقل المستدام.


هناك حاجة للتجديد في ثقافة القطاع الخاص العربي، فلا تكون مؤسساته مجرد منتديات ومنابر لرفع الشكاوى وطرح مشاريع لسياسات عامة، بل لا بد من اعتماد البراغماتية وفق جداول زمنية محددة، بالتوازي مع وضع معايير للإمتثال والإلتزام، وآليات للتقييم وتنفيذ التوصيات وحل النزاعات ومواجهة العقبات، وكذلك منظومة لحوكمة العمل العربي المشترك لدى منظمات القطاع العربي العابرة للحدود.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم