الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

تحوّلات سياسية استعداداً لمواجهة بين قطبيْن

المصدر: "النهار"
منذر خدام- كاتب وسياسي سوري
تحوّلات سياسية استعداداً لمواجهة بين قطبيْن
تحوّلات سياسية استعداداً لمواجهة بين قطبيْن
A+ A-

لم يكن أحدٌ يراهن على حصول تغيّرات أساسية في السياسة الخارجية السعودية بعد وفاة الملك عبد الله من عبد العزيز واستلام أخيه الملك سلمان مقاليد الحكم بعده. كانت ثمة معلومات صحفية وإعلامية متناثرة هنا وهناك، تتكهن بحصول تغيّرات في قوام الحكم لكن ليس في سياسته الخارجية، وخصوصاً تجاه الأزمة السورية. وبالفعل ما إن استقرَ الأمر للملك الجديد حتى شرع في اتخاذ إجراءات ملكية عيّن بموجبها أشخاصًا جدداً في مواقع نافذة، لكنه احتفظ بوزير الخارجية العابر للعهود الملكية الأمير سعود الفيصل في منصبه. إن بقاء وزير الخارجية السعودي في منصبه، يسمح بقراءته على أنه استمرار سياسة المملكة الخارجية، لكن اللافت هو بدء ظهور علامات تخالف ذلك. على ما يبدو ينبغي الاستدلال على السياسة الخارجية السعودية ليس من بقاء وزير الخارجية في منصبه، بل ممن يتوّلون المسؤوليات الأمنية الخارجية. وبالفعل، فإن ابتعاد بندر بن سلطان عن موقع المسؤول الأمني الأول في السعودية كان المؤشر الأبرز على حصول مثل هذه التغيّرات التي بدأت تظهر تباعاً، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة في سوريا. يبدو لي أن السعودية سوف تنتقل قريباً من وضعية الفاعل النشط من وراء ستار، إلى وضعية التدخل النشط المباشر في الأزمات التي تعصف في المنطقة العربية والتي باتت تهدد دول الخليج ذاتها.


بدورها مصر العربية، ومنذ الانقلاب على حكم الإخوان المسلمين، وهي تعيد تقويم توجهاتها السياسية الخارجية، من منظور إعادة إحياء مفاهيم مثل مفهوم " الأمن القومي العربي "، ومفهوم " التضامن العربي "، ومفهوم " ترابط أمن مصر بأمن سورية "، وغيرها من مفاهيم كانت قد تخلت عنها مصر لعقود من السنين في عهدي السادات ومبارك. هذا التوجه المصري الجديد لاقى تفهما لدى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والقيادة السعودية الجديدة، تحت ضغط عاملين اثنين: الأول منهما وهو تنامي الإرهاب وانتشاره في المنطقة بحيث بات يهدد أمن واستقرار جميع الدول العربية بمن فيها دول الخليج ذاتها.
والعامل الثاني هو تعاظم النفوذ الإيراني في أكثر من بلد عربي، نتيجة لتدخل إيران المباشر في الصراعات الجارية فيها. وإذا كان العامل الأول يحظى باهتمام القيادة المصرية أكثر، نظراً لأن الإرهاب بدأ يضرب في داخل مصر ذاتها، ويتعاظم تهديده لأمنها في الغرب( ليبيا) وفي الشرق( سوريا)، فإن العامل الثاني له الأولوية في اهتمامات القيادة السعودية، ودول الخليج عموماً، نظراً لتدخل إيران المباشر في خمس دول عربية على الأقل، وهي لبنان والعراق وسورية واليمن والبحرين، وتعاظم نفوذها من جراء ذلك، بحيث بات قادة إيران يتحدثون عن قيام إمبراطورية إيرانية وعاصمتها بغداد؟!.
غير أن القيادة السعودية، وربما أيضاً القيادة المصرية، تدرك أن النجاح في محاربة الإرهاب، وخصوصاً إرهاب "داعش"، ومواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم في دول المنطقة، غير ممكن بدون التحالف مع تركيا. لكن قيام مثل هذا الحلف الثلاثي الذي لا يخفي، بطبيعة الحال، طابعه المذهبي، يتطلب إيجاد حل لكثير من المشاكل المعقدة والتي تتعارض بشأنها مواقف هذه الدول، وبصورة خاصة مواقف كل من مصر وتركيا.
بالنسبة لمصر من المهم أن تتوقف تركيا عن أي دعم القوى الجهادية المتطرفة، التي تصنفها مصر قوى إرهابية، ومنها الإخوان المسلمون، ليس فقط في الداخل المصري، بل أيضاً في كل من سوريا وليبيا. الوجه الآخر لهذا الموقف المصري هو العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا بمشاركة النظام، وكذلك دعم وتشجيع الحوار بين الليبيين، بدلاً من دعم طرف ضد طرف آخر.


إسقاط النظام
بالنسبة لتركيا تبدو المسألة أسهل رغم تعقيداتها، فأمن تركيا على الأقل ليس مهدداً بصورة مباشرة من قبل القوى المتطرفة، فهي تدعمهم، لكنها تريد إسقاط النظام السوري كي تجد لها مجالاً حيوياً مستقرا ً في الجنوب كمنطلق لتوسيعه في العراق مستقبلاً، وهي بطبيعة الحال لا تخفي الطابع المذهبي لهذا المجال الحيوي المنشود. في هذين المجالين تصطدم تركيا بإيران وهذا من وجهة نظر السعودية القاسم المشترك الأكبر الذي يمكنها العمل على أساسه مع تركيا، وإلى حد ما مع مصر. الهدف إذا واضح بالنسبة للسعودية على الأقل وهو قيام تحالف قوي بين السعودية ومصر وتركيا لمواجهة التمدد الإيراني المتنامي المدعوم من قبل قوة ذاتية متعاظمة. غير أن قيام هذا التحالف الذي يبدو أن لتركيا والسعودية مصلحة واضحة فيه، في حين أن مصلحة مصر فيه أقل وضوحاً، بل مشكوك فيها، يتطلب من القيادة السعودية العمل على أكثر من جهة، لحل أكثر من مشكلة. فلكي تحفز مصر على الانخراط في هذا التحالف الثلاثي عليها أن تزيد من دعمها الاقتصادي لها، وأن تتكفل بتمويل جزء كبير من تكاليف صفقات الأسلحة الضخمة التي عقدتها الحكومة المصرية مع روسيا وفرنسا. إضافة إلى ذلك عليها أن تضغط على تركيا لتتوقف عن التدخل في شؤون مصر الداخلية، خصوصاً لجهة دعم "الإخوان المسلمين".


توتير جديد للعلاقات
ولكي يتم تحفيز تركيا للدخول في هكذا تحالف، يتطلب من السعودية أن تعمل لإقناع مصر بضرورة المصالحة مع "الإخوان المسلمين" والسماح لهم بالعودة إلى الحياة السياسية المصرية بصورة طبيعية. على صعيد هذه المشكلة، لن تواجه السعودية صعوبات كبيرة لأن الحكم في مصر له مصلحة في ذلك شريطة اعتراف "الإخوان المسلمين" بالعهد الجديد، وهنا يأتي دور تركيا.
وقد لا تواجه السعودية مشكلة كبيرة مع مصر فيما يتعلق بحضها على التوقف عن محاولاتها لإعادة تعويم النظام السوري، لكن المشكلة سوف تكون كبيرة لإقناعها بضرورة العمل مع تركيا على إقامة المنطقة العازلة في شمال سورية، مما قد يتسبب بتوتير جديد للعلاقات بين هذه الدول الثلاثة مع أميركا وروسيا أيضاً.
من الواضح أن المشكلات التي تعترض قيام هكذا تحالف ثلاثي ليست بسيطة، في مقابل مصالح مشتركة غير واضحة وغير مستقرة، وربما مضخمة كثيراً، ومنها بطبيعة الحال الخطر الإيراني. إزاء كل ذلك، فهل تنجح السعودية بقوة نفوذها المعنوي وقوة أموالها أن تزللها، أو على الأقل أن تحيد ما هو غير قابل للتسوية منها راهناً، لصالح قيام قطب ثلاثي لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، وما يشكله من خطر على أمن المنطقة واستقرارها بحسب ما تقول به المصادر السعودية بصراحة ووضوح.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم