الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا تعادل، بل غالب ومغلوب

هشام ملحم
هشام ملحم
A+ A-

كان المشهد سوريالياً بامتياز. دخل الرجل القاعة وكأنه رئيس البلاد. قوبل بتصفيق حاد وحار وكأنه بطل قومي. وقفوا بعد كل جملة قالها تقريبا لاظهار امتنانهم وانبهارهم وتشجيعهم. الضيف تحدث بثقة وغطرسة مدركاً انه يمسك بقوة بعواطف جمهوره. تحدث بفوقية وكأنه يحاضر في طلاب لا يعرفون العالم الحقيقي الخطير الذي ينتظرهم في الخارج. جاء من بلد صغير وبعيد جدا، لكنه تحدث وكأنه جار قريب جداً ويدرك كل خبايا وتعقيدات البيت الذي فتح له. المكان: المبنى الرئيسي للكونغرس، والذي يعتبر اهم مؤسسة تشريعية في العالم. المتحدث: بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الذي خاطب مجلسي الكونغرس في السابق كمسؤول، ومرة في 2002 عندما حاضر بصفة كونه مواطناً اسرائيلياً "خبيراً" وحض اعضاء الكونغرس على مباركة غزو العراق للتخلص من خطر اسلحة الدمار الشامل فيه، مؤكداً لجمهوره سلفاً نجاح الفتح الديموقراطي الاميركي.


هذه المرة، اجتاح نتنياهو مبنى الكونغرس بالتعاون مع الجمهوريين الذين فتحوا له الابواب كي يقوم بعملية انقلابية بثت مباشرة على شاشات التلفزيون هدفها انتزاع السياسة الخارجية للولايات المتحدة من ايدي رئيس اميركي انتخب مرتين. نتنياهو أثنى على باراك اوباما ورفع مقامه من أجل ان يوجه اليه اللكمات المتلاحقة ليضمن ان يكون سقوطه مدوياً وصاعقاً. عملياً، نتنياهو قال للاميركيين من خلال ممثليهم: ضعوا ثقتكم بي وليس برئيسكم الساذج، فأنا أدرى بخطر ايران النووي وبالعقل "الفارسي البازاري".
تشخيص نتنياهو لاخطار ايران يتضمن حقائق كثيرة عن برنامج نووي مشكوك فيه وجزء منه كان سرياً ومخالفاً لاتفاق منع انتشار الاسلحة النووية، اضافة الى التدخل الايراني السافر والخطير في العراق وسوريا ولبنان والعداء الايراني لليهود، وهومحق عندما يقول إن ايران لا تتصرف بشكل طبيعي ولكنه بالطبع لا يريد الاعتراف بان اسرائيل النووية والمحتلة لاراض فلسطينية وسورية لا تتصرف بشكل طبيعي أيضاً، وان حقيقة ما يريده من واشنطن هو وقف المفاوضات وتدمير البنية التحتية النووية الايرانية. هناك اجتهادات عدة حول افضل طريقة لمنع ايران من تطوير السلاح النووي، تراوح بين الخيار العسكري، والمزيد من العقوبات القاسية، وانتهاء بسياسة احتواء متشددة.
المشرعون الديموقراطيون الذين قاطعوا الخطاب وقالوا إن نتنياهو وجه "اهانة" الى الاميركيين، وحاضر فيهم بفوقية، يرفضون ان يقول لهم مسؤول اجنبي كيف وفي أي وقت يجب ان يشنوا حربا اخرى. اذا أعيد انتخاب نتنياهو، فانه بخطابه يكون قد ضمن تسميم العلاقة مع الرئيس الاميركي لسنتين مقبلتين. التوتر سيزداد اذا تم التوصل الى اتفاق مع ايران. لن يكون هناك تعادل في المواجهة بين أوباما ونتنياهو، بل غالب ومغلوب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم