الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ما بين لقائي القاهرة وموسكو "عشر نقاط سحرية"

منذر خدام- كاتب وسياسي سوري
ما بين لقائي القاهرة وموسكو "عشر نقاط سحرية"
ما بين لقائي القاهرة وموسكو "عشر نقاط سحرية"
A+ A-

حدثان مهمان يتعلقان بالأزمة السورية حدثا خلال الثلث الأخير من شهر كانون الثاني لعام 2015، هما لقاء القاهرة الذي انعقد خلال الفترة من 22 إلى 24 كانون الثاني 2015، والآخر لقاء موسكو الذي انعقد بعد ذلك بيومين، واستمر حتى 29 كانون الثاني 2015. في الاجتماع الأول الذي نظمه المجلس المصري للعلاقات الخارجية كجهة غير حكومية حضر نحو خمسين معارضاً تمت دعوتهم بأسمائهم الشخصية، وليس من خلال كياناتهم السياسية. وفي اللقاء الثاني الذي نظمته وأدارته جهة غير حكومية حضر أيضا نحو ثلاثين شخصية معارضة تمت دعوتهم أيضاً بأسمائهم الشخصية، إضافة إلى وفد يمثل النظام السوري.


اللافت في كلا اللقاءين هو دعوة المشاركين فيهما بأسمائهم الشخصية وفي ذلك رسالة واضحة تفيد بتجاوز الكيانات السياسية المعارضة لعدم الأهلية بسبب اختلافاتها غير السياسية، وصراعاتها الدائمة، وفقدان الكثير منها لإرادته السياسية المستقلة. بالنسبة للروس برروا عدم دعوة الكيانات السياسية بأنهم يريدون تجنبقصة الاعتراف بها وخصوصا بالائتلاف المعارض المدعوم غربياً، أما المصريون فقد قالوا بصريح العبارة أنهم وجهوا دعوات اسمية لبعض المعارضين المختارين بدلاً من الكيانات السياسية حتى يمنعوا دخول بعض من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في سورية، أو من "جماعة تركيا" في الائتلاف إلى مصر. بطبيعة الحال قبل المعارضون السوريون المشاركون في اللقاء ذلك، بعضهم برغبة، وبعضهم حاول تسجيل موقف لا أكثر بأن وجه رسائل إلى الجهات الداعية يطالبها بدعوة الكيانات السياسية، في دلالة واضحة على العجز، والتفتت، وفقدان الروح التضامنية، لكنهم في النهاية شاركوا بأسمائهم الشخصية.
التشابه الثاني بين لقاء موسكو ولقاء القاهرة هو أن الجهتين الداعيتين غير حكوميتين، حتى لا تتحمل الدولتان روسيا ومصر نتائج ما يمكن أن يتمخض عن اللقاءين، خصوصا لجهة الفشل. لكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية المصري من أن يلتقي بالمشاركين في لقاء القاهرة ويخاطبهم بلغة توجيهية، كما لم يمنع وزير الخارجية الروسي أيضا من اللقاء بالمشاركين في لقاء موسكو،وإلقاء كلمة فيهم تتجاوز الطابع التوجيهي إلى تحديد نوع من جدول الأعمال .


في لقاء القاهرة شارك نحو خمسين شخصية معارضة تنتمي إلى عدة كيانات سياسية منها الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة اكبر تحالف سياسيللمعارضة السورية في الخارج، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى الثورة والمعارضة وهي أيضاً اكبر تحالف سياسي للمعارضة السورية في الداخل، إلى جانب كيانات سياسية أخرى وعدد من المستقلين يمثلون رجال الأعمال السوريين، والهيئات الفنية والثقافية والدينية وغيرها.
في نهاية لقاء القاهرة صدر عنه بيان حمل عنوان " بيان القاهرة " تضمن نحو عشرة نقاط أساسية، تمثل قاسما مشتركا بين أراء المشاركين في اللقاء. يحدد البيان أن الهدف من أية عملية تفاوضية مع النظام هو " الانتقال إلى نظام ديمقراطي ودولة مدنية ذات سيادة"، وإن هذا الانتقال بحسب المشاركين في اللقاء سوف يتم تحقيقه "حتماً" عن طريق " حل سياسي وطني" بحسب نص البيان. ولا ينسى المشاركون في اللقاء أن يحددوا طبيعة هذا النظام الديمقراطي بتأسيسه على " عقد اجتماعي وميثاق وطني " يقوم على مبدأ " المواطنة والمساواة بين السوريين " ويضمن " حقوق كامل المكونات القومية للشعب السوري في إطار " اللامركزية الإدارية". من المعلوم أن الإخوان المسلمين كانوا دائما يعترضون على مبدأ " المساواة بين السوريين" وخصوصا المساواة بين المرأة والرجل، كما أن الأكراد بأغلب أطيافهم السياسية يطالبون باللامركزية السياسية ، وإن إقصاءهم عن اللقاء جعل من الممكن صياغة هذا البند بالشكل الذي جاء به.


قد طالبت معارضة القاهرة في بيانها بـ " تسوية تاريخية " للأزمة في سوريا(البند الثالث)، وهذا يعني عملياً أنها تخلت عن كثير من شروطها المسبقة من قبيل "رحيل الأسد " أو " تسليم السلطة" وغيرها وبدأت تفكر بعقل سياسي واقعي ينظر إلى النظام كطرف في هذه التسوية التاريخية. لكن بطبيعة الحال لا ينسى المشاركون في اللقاء من تأسيس هذه التسوية التاريخية على أساس " بيان جنيف" وتوافر " ضمانات دولية واضحة"، بل ويرحبون بالجهود " الدولية المختلفة للتسوية "، مما لا يبقي شيئاً من فرضية (حتمية) الحل السياسي الوطني.
ولا ينسى المشاركون في لقاء القاهرة في ضيافة المجلس المصري للعلاقات الخارجية من تضمين بيانهم الختامي تحميل المعارضة بعض المسؤولية عن فشل الحل السياسي نظرا لتفتتها وصراعاته، كنوع من النقد الذاتي، وإن من شروط نجاح الحل السياسي إطلاق سراح جميع " المعتقلين والمعتقلات " والتعهد باحترام " القانون الدولي الإنساني" في رسالة مباشرة للنظام لطالما كررت على مسامعه دون أن ينصت لها. ونظرا لمحدودية تمثيل المشاركين في لقاء القاهرة فقد تضمن البيان في بنده العاشر عزم المشاركين " التحضير للقاء وطني سوري...وتشكيل لجنة تتابع الاتصالات مع أطراف المعارضة السورية للتحضير للمؤتمر والمشاركة فيه..". بصورة عامة يعد البيان جيداً رغم سمات التركيب البادية عليه، لكنه مع ذلك فهو يدل على عودة العقل السياسي المعارض للاشتغال بعد أن كان قد عطله عقل شعاراتي أيديولوجي لنحو أربعة سنوات مضت من عمر الأزمة في سورية.


من جهة أخرى ونظراً لانعقاد لقاء القاهرة قبيل انعقاد لقاء موسكو بيومين فقط فكان من الصعوبة عدم الربط بينهما، بل ذهب بعض المشاركين في لقاء القاهرة إلى القول بأن لقاء القاهرة يمهد للقاء موسكو، وان هذا " البعض " سوف يحمل معه إلى لقاء موسكو النقاط العشر التي تضمنها بيان القاهرة. لكن نظرا لطبيعة لقاء موسكو، وما صار واضحا من ترتيبات موسكو ودمشق المنسقة للقاء أشك بأن هؤلاء البعض قد تمكنوا من عرض ما حملوه معهم.حتى النقاط العشر التي اتفق عليها المعارضون في لقائهم الخاص قبل لقاء وفد النظام لم يتمسكوا بها، ولم يرد أي ذكر لها في النقاط العشر لإعلان " مبادئ موسكو" التي تقدم بها الجانب الروسي للمعارضين للتوقيع عليها، في مخالفة سافرة لما كانوا قد أعلنوه سابقا من "حياد" و "عدم تدخل" في الحوار " السوري – السوري".


لا شك بأن إعلان" مبادئ موسكو" معد بصورة ذكية،بالتنسيق بين موسكو ودمشق بحيث لا تستطيع المعارضة رفضه جملة، وإن كانت تستطيع رفض بعض تفاصيله. لكن لندع الحديث عن تفاصيل لقاء موسكو إلى مقالة أخرى.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم